بيان صحفي في لقاء الطاولة المستديرة الأول لعام 2022: ماس يناقش واقع قطاع البحث العلمي في فلسطين

10 أذار 2022

 

رام الله، الأربعاء، 9 آذار 2022: عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء طاولة مستديرة بعنوان "قطاع البحث العلمي في فلسطين: الإطار التنظيمي، الواقع والتحديات" بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم. قام بكتابة الورقة الخلفية حول الموضوع مدير البحوث في ماس د. رابح مرار، ومساعد البحث إسلام ربيع، كما قدم كل من السيدة رانيا أبو غبوش مدير دائرة إحصاءات العلم والتكنولوجيا في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ود. مصطفى مرعي عضو الهيئة الأكاديمية في معهد الحقوق في جامعة بيرزيت، ود. سمير أبو عيشة مدير عام المجموعة العالمية للهندسة والاستشارات (معالم)، بالإضافة إلى السيدة سحر حويطات أمين سر مجلس البحث العلمي، مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.

افتتح الجلسة المدير العام للمعهد السيد رجا الخالدي مؤكدا على أهمية الموضوع وأن هذه الورقة تأتي في إطار اهتمام المعهد بمتابعة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المستجدة التي تهم المواطن الفلسطيني وصاحب القرار. حيث يعقد المعهد جلسات الطاولة المستديرة الدورية لمناقشة هذه المواضيع باعتبارها أحد الأدوات لاقتراح توصيات سياساتية تفيد في عملية صنع القرار بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني. كما توجه الخالدي بالشكر للمؤسسة الفلسطينية للإقراض والتنمية – فاتن لدعمها هذا اللقاء.

 

ورقة ماس الخلفية

في إطار عرض الورقة، بين مرار أن هذه الورقة تتناول أهمية البحث العلمي ودوره الرئيس في تعزيز التنافسية بين الدول، فهو يساهم بشكل كبير في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها العالم. وأشار إلى أن البحث العلمي كنشاط ليس محصورا بمؤسسة أو قطاع معين، بل يمكن ممارسته من قبل كافة المؤسسات العامة والخاصة، الحكومية وغير الحكومية، الأكاديمية وغير الأكاديمية. لذلك من الصعب (أو غير المنطقي) أن يتم تنظيم ومتابعة كل هذه الأشكال وأنشطة البحث العلمي من خلال جهة إشرافية محددة، أو من خلال قانون معين. هذا لا يعني عدم أهمية وجود جهات إشرافية خاصة على المؤسسات الفاعلة أو المتخصصة في أنشطة البحث العلمي، أو وجود القوانين والتشريعات والأطر التنظيمية المحفزة والداعمة، لكن من المهم أيضاً أن يراعي التنظيم التباينات بين مختلف أشكال البحث العلمي والتخصص أو مدى التفرغ له بين مركز/مؤسسة وأخرى.  فالحكومات في الدول المتقدمة تضع الخطط والبرامج والسياسات لتطوير ودعم البحث العلمي وتحديد الأطر العامة والأولويات على المستوى الكلي والقطاعي والمرتبطة بمعالجة التحديات المختلفة (الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية، الخ) التي تواجهها ولخلق فرص استثمار جديدة في المجالات الواعدة.

 

واقع قطاع البحث العلمي في فلسطين

يواجه قطاع البحث العلمي في فلسطين يواجه تحديات عديدة، بعضها مرتبط بالواقع السياسي والاقتصادي الذي خلقه الاحتلال الإسرائيلي، والبعض الآخر يرتبط بواقع النظام البيئي الخاص بالبحث العلمي في فلسطين. يفتقر قطاع البحث العملي في فلسطين إلى الحوكمة والتنظيم، كما يفتقر إلى وجود سياسات واستراتيجيات واضحة، وهناك تغييب للدور التنموي للبحث العلمي في السياسات والاستراتيجيات الوطنية، والخطط التنموية كما لا يوجد تحديد للأولويات التي يجب أن توضع في مقدمة برامج القطاعات العلمية المختلفة. حيث تتركز بعض الأنشطة البحثية في مجالات تخدم أولويات الجهات الممولة على حساب الأولويات الفلسطينية، ونتيجة لذلك نجد أن هناك فجوة بين مخرجات البحث العلمي والاحتياجات والأولويات الوطنية، بالإضافة إلى ضآلة الإنتاج البحثي. ووصف الباحث مساهمة مراكز الأبحاث في عملية التنمية الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية بالضئيلة أو المحدودة. إلى جانب ذلك، لا تلعب هذه المراكز دوراً واضحاً في صنع القرار الفلسطيني، كما أن عدم اعتماد صانع القرار في سياساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على نتائج الدراسات التي تصدرها هذه المراكز، بالإضافة إلى عدم وجود استراتيجية واضحة للبحث العلمي تحدد أبرز المجالات البحثية التي تشكل أولوية للمجتمع وصانع القرار الفلسطيني ومربوطة بمصدر تمويل حكومي منتظم ومستدام، ما يضطر بعض هذه المراكز إلى ممارسة أنشطة بحثية لا تتماشى مع نشاطها البحثي الرئيسي (التخصص)، ولا مع دورها الوظيفي، خاصة في ظل تبدل توجهات الممولين البحثية.

 

توصيات الورقة الخلفية

ذكر الباحث أن هناك مجموعة من التوصيات التي يمكن من خلالها تعزيز الدور الهام لقطاع البحث العلمي في فلسطين، وذلك من خلال معالجة القصور في البيئة التنظيمية وضعف السياسات العامة، وضرورة وجود تنسيق مركزي بين مختلف مكونات القطاع لرعاية البحث والتطوير في فلسطين، ولعل الجهة الأمثل للقيام بهذا الدور الطليعي هي مجلس البحث العلمي، وذلك من خلال إصلاح تنظيم القطاع بحيث يتم تجميع المراكز البحثية العلمية التي تنتج وتعمل بشكل منتظم، ومأسسة العلاقات بين القطاعات الفرعية (الحكومية والأهلية والجامعية) الرئيسية لتفعيل التفاعل والتنسيق والتخصص والتعاون، بالإضافة إلى الإسهام في تحديد أولويات البحث العلمي في ضوء تحديات الواقع على الساحة المحلية.

كما أوصت الورقة بضرورة زيادة التعاون والتنسيق ما بين الجامعات والمراكز البحثية من جهة والقطاع الخاص من جهة أخرى، وهذا يتطلب وجود مراكز استشارية متخصصة تقوم بتوفيق المصالح ما بين الجهتين، وبلورة قائمة وطنية تحتوي على أولويات البحث في المجالات العلمية المختلفة: الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الطبيعية، ... الخ، وتفاوض المؤسسات البحثية مع الجهات ذات الصلة فيما يتعلق بمعالجة الأولويات الوطنية والمتطلبات الرئيسية لتطوير قواعد البحث ولا سيما البنية التحتية.

ودعا الباحث إلى ضرورة إنشاء صندوق وطني لتمويل أنشطة البحث العلمي، يسهم في رفد هذا الصندوق القطاع الخاص، والحكومة، إلى جانب ذلك يجب إنشاء جهة متخصصة تعمل على جلب المنح والهبات من الخارج بغرض دعم البحث العلمي، بما يخدم خطط التنمية الفلسطينية، والاتفاق على معايير محددة لتقييم وتحكيم البحوث العلمية (أو إعطاء معلومات استرشادية بخصوص هذا الموضوع، والتنسيق بين الجامعات والمراكز البحثية حتى لا يتم إهدار الوقت والجهد والإمكانات على بحوث متشابهة، ووضع سياسات وبرامج حوافز تشجع التعاون بين مؤسسات البحث والقطاع الخاص (عبر إعطاء إعفاءات ضريبة)، وزيادة حصة المراكز البحثية والجامعات من المخصصات الحكومية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون والروابط مع مؤسسات البحث الإقليمية والدولية (تجربة أكاديمية فلسطين للعلوم والتكنولوجيا).

تحدثت السيدة سحر حويطات في مداخلتها عن قيام مجلس البحث العلمي في العام 2013 بتمويل 25 مشروع بحثي في عدة مجالات بقيمة 900 ألف دولار، ثم تطرقت إلى جهود الوزارة في صياغة استراتيجية وطنية (إطار وطني) للبحث العلمي خلال الفترة القادمة بالتشاور مع الجهات ذات العلاقة والاختصاص. وتتمثل أهم الجوانب التي ستركز عليها الوزارة إنشاء صندوق لدعم البحث العلمي، وآليات تمويل هذا الصندوق. واكدت أنه سيتم صياغة الأولويات الوطنية للبحث العلمي بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية والمؤسسات ذات العلاقة. وتطرقت أيضاً إلى أن الوزارة تعمل على تعظيم الاستفادة من برامج البحث العلمي الدولية مثل برنامج HORIZON EUROPE  ومشروع سيسمي (السنكرورتون) ومشروع ايراسموس حيث تم إضافة بُعد البحث العلمي من خلال البرامج المشتركة، وأضافت أن الوزارة تعمل على دعم البحث العلمي من خلال عدد من البرامج منها التعاون الفلسطيني الألماني (PALGER) حيث يتم دعم ما يقارب 14 مشروع كل سنتين وتُنفذ بالتعاون بين الباحثين من الجانب الفلسطيني والألماني، ومن أبرز القضايا التي ستعمل عليها الوزارة؛ متابعة ترخيص مراكز البحث العلمي وفقاً لتعليمات الترخيص.

من جانبها أشارت السيدة رانية أبو غبوش في مداخلتها إلى الدليل المعياري الذي يستخدمه الجهاز المركزي للإحصاء في تصنيف أنشطة البحث والتطوير، والمؤسسات التي يمكن أن تصنف كمؤسسات بحث وتطوير بالاعتماد على هذا التصنيف، ثم وضحت تعريف البحث والتطوير والمعايير المتبعة في تصنيف أنشطة البحث والتطوير (بحسب دليل فراسكاتي)، وعرجت إلى أنواع البحث والتطوير التجريبي (أساسي، تطبيقي، تطوير تجريبي) ومجالاته (العلوم الطبيعية، الهندسة، العلوم الإنسانية،....)، ثم تطرقت إلى الأنشطة التي لا تندرج ضمن نشاط البحث والتطوير (خدمات المعلومات العلمية والتقنية، الهندسة والخدمات التقنية، جمع البيانات للأغراض العامة/الروتينية، التجارب الروتينية وأعمال توحيد المعايير، دراسات الجدوى، إضافة إلى مجالات أخرى). ثم تطرقت أبو غبوش إلى المسح الذي يعزم الجهاز المركزي للإحصاء إجراءه في العام 2022 حول البحث والتطوير (بانتظار توفر التمويل)، وإلى أبرز الأمور التي سيوفرها المسح: هيكلية موظفي البحث والتطوير والمعادلون بمكافئ الوقت الكامل، الإنفاق على البحث والتطوير الفعلي ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي، ومصادر التمويل للبحث والتطوير. وتطرقت أيضاً إلى القطاعات التي سيستهدفها المسح (52 مؤسسة تعليم عالي، 28 منظمة غير حكومية، 49 مؤسسة حكومية، 361 مؤسسة من القطاع الخاص والتي لديها وحدة بحث وتطوير).

من جانبه، أشار الدكتور مصطفى مرعي في مداخلته إلى أن جامعة بيرزيت بصدد صياغة خططها الاستراتيجية للأعوام القادمة، والتي تسعى من خلالها إلى الإسهام في عملية التنمية عبر البحث العلمي. ثم تطرق إلى أهمية وجود جسم مركزي يقوم بالتنسيق والتشبيك بين المؤسسات البحثية بمختلف قطاعتها، لكن دون أن يوجه لهذا الجسم المركزي دور في توجيه العمل البحثي نحو مسار معين، كما شدد على ضرورة ضمان حرية البحث العلمي للإبداع والتميز، ثم تطرق إلى جزئية تمويل البحث العلمي، والتي تعاني من شح في الموارد، وبهذا الخصوص طالب المؤسسات البحثية أن تعظم الاستفادة من الإمكانات المتاحة بالتوازي مع زيادة تعاونها مع المؤسسات البحثية الأخرى. بخصوص إسهام القطاع الخاص في البحث العلمي، أشار مرعي إلى أن المحرك الأساسي لإسهام القطاع الخاص في البحث العلمي هي منفعته ومصالحه، وشدد أيضاً على أنه لا يمكن النهوض بقطاع البحث العلمي دون وجود قطاع تعليمي قوي، بالتزامن مع وجود تخطيط منظم ورصين. واختتم مرعي مداخلته بالإشارة إلى عدة جوانب يجب أن يأخذها مجلس البحث العلمي بالاعتبار عند تنفيذ المهام المناطة إليه.

في حين ثمن الدكتور سمير أبو عيشة في مداخلته، الجهود المبذولة في البحث العلمي، وشدد على ضرورة تكثيف إجراء البحوث التطبيقية في عدة مجالات وذلك لأهميتها التنموية، ثم تطرق إلى نقطة تعدد المفاهيم المستخدمة في تعريف البحث العلمي، وكما ناقش أبرز التحديات التي يوجهها البحث العلمي ولعل من أهمها غياب الاستراتيجيات الواضحة، ومشكلة التمويل، وتغييب دور البحث العلمي في عملية التنمية. ثم تطرق إلى أن هناك 4 مراكز بحثية فقط مسجلة لدى وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، ولمعالجة هذه الإشكالية اقترح أبو عيشة أهمية إشعار المراكز غير المسجلة بالفوائد التي ستجنيها في حال انضمامها وانخراطها تحت مظلة البحث العلمي. واختتم مداخلته بالتطرق إلى أن من شأن زيادة إنفاق القطاع الخاص على البحث والتطوير أن يعود عليها بفائدة كبيرة وسينهض بالقطاع الصناعي ضارباً بذلك عدة أمثلة من تجارب خارجية.

 

كما أكد الحضور على الأهمية التنموية للبحث العلمي، وشددوا على ضرورة النهوض بهذا القطاع وتطويره عبر حشد التمويل اللازم، والوقوف على أبرز التحديات التي يواجهها هذا القطاع من أجل العمل على إصلاحها (لعل من أهمها ضعف حوكمة القطاع وفضاضة تعريف البحث العلمي). كما شددوا على ضرورة إدماج البحث العلمي في أجندة السياسات الوطنية والتنموية.

أشاد الحضور بأهمية الموضوع، وأن هناك ضرورة أن يتبنى القطاع الخاص قطاع البحث العلمي، بحيث يعود بالفائدة عليه من خلال السياسات والأوراق التي يتم إنتاجها، والتي تسهم في وضوح الرؤية المستقبلية.

 

 للاطلاع على الورقة الخلفية حول موضوع النقاش :ورقة خلفية جلسة طاولة مستديرة(1) - قطاع البحث العلميّ في فلسطين: اإلطار التنظيميّ، الواقع والتّحدّيات - آذار 2022