لقاء في معهد (ماس) يناقش التدمير الديموغرافي وسوق العمل في قطاع غزة: التكيف المجتمعي في مواجهة الانهيار

11 حزيران 2025

 

بيان صحفي

الأربعاء 11 حزيران، 2025: عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء الطاولة المستديرة الثالث لهذا العام بعنوان "التكيف المجتمعي" - التدمير الديموغرافي الممنهج وديناميكيات سوق العمل في قطاع غزة: التداعيات في ظل حرب أكتوبر 2023، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم. أعد الورقة الخلفية الباحث فادي دراغمة، وقدم كل من السيدة عبير المغربي مديرة التخطيط في الإدارة العامة للدراسات والبحوث - وزارة العمل، والدكتور مازن العجلة خبير اقتصادي من قطاع غزة مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.

افتتح منسق البحوث د. سامح حلاق الجلسة، مؤكداً على أهمية هذه الورقة التي تسعى إلى دراسة التداعيات متعددة الجوانب للانهيار الديموغرافي المنهجي في قطاع غزة، والذي اتسم بالنزوح الجماعي وفقدان السكان، وتفكك الهياكل الأسرية على أداء سوق العمل، وقدم شكره لمؤسسة مؤسسة هينرش بل- مكتب فلسطين والأردن على تمويلها لهذا اللقاء.

 

ورقة ماس:

تكشف الورقة أن الحرب في غزة تسببت في تفكك واسع للبنى الأسرية والاجتماعية، نتيجة النزوح الجماعي وفقدان عدد كبير من المعيلين، ما أدى إلى ازدياد عدد الأسر التي تعيلها نساء، وتراجع منظومات التضامن العائلي. وأشار الباحث إلى أن نصف مليون شخص بحاجة إلى دعم نفسي، في ظل تصاعد الصدمات النفسية، خاصة بين الأطفال الذين تعرض معظمهم للنزوح، وبعضهم فقد الرعاية الأبوية كليا.

وأوضح دراغمة أن آلاف المصابين بإعاقات دائمة، وتعطيل التعليم لأكثر من 800 ألف طفل، يهددان رأس المال البشري والتماسك الاجتماعي. كما حذر من تفكك سوق العمل نتيجة فقدان الكفاءات وتوقف التعليم والتدريب، مما يزيد من هشاشة المشاركة الاقتصادية، خاصة لدى النساء والشباب، ويقوض فرص التعافي المستدام.

 

الانهيار الاقتصادي الشامل والبطالة

تظهر الورقة أن العدوان على غزة أدى إلى انهيار اقتصادي شامل، حيث انكمش الناتج المحلي بنسبة تقارب 85% خلال عام واحد فقط، وقفزت معدلات البطالة إلى أكثر من 80% في عام 2024. تراجعت المشاركة في القوى العاملة إلى 36%، فيما شهدت البنية الاقتصادية شللا شبه تام، وسط أضرار جسيمة بالبنية التحتية والمنشآت، وانهيار سلاسل الإمداد، وشح السيولة. لكن في المقابل ازدادت ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي كوسيلة بقاء، وسط توسع عمل الأطفال وتدهور شروط العمل، في غياب الحماية الاجتماعية. كما تضررت منظومات التعليم والتدريب المهني بشدة، نتيجة استهداف المدارس والجامعات، ومقتل مئات من الكوادر التعليمية.

وأظهرت بيانات 2024 أن معدل التشغيل انخفض إلى 9.3% فقط، وخرج نحو 74% من الشباب عن أي مسار تعليمي أو إنتاجي، حيث تعكس هذه المؤشرات أزمة بنيوية في سوق العمل، تهدد رأس المال البشري وتقوض فرص التعافي الاقتصادي مستقبلا.

 

خلاصة وتوصيات سياساتية:

تشير الورقة إلى ضرورة اتخاذ خطوات سياساتية عاجلة، تبدأ بالتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار لوقف الدمار، يليها تعزيز فوري للمساعدات الإنسانية والاقتصادية من قبل الهيئات الدولية. كما تدعو إلى تركيز جهود الإغاثة على تأمين الغذاء والتحويلات النقدية والوقود، مع ضمان التوزيع العادل ودعم شبكات المخابز والمطابخ المجتمعية.

تدعوا الورقة إلى تدخل عاجل من الوكالات الدولية والجهات المانحة لتمويل برامج توظيف طارئة، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لضخ السيولة وإنعاش الاقتصاد المحلي. كما توصي بإعادة تشغيل الصناعات الحيوية، ودعم المزارعين والصيادين، وتأهيل الأسواق والبنية التحتية. وتشدد على أهمية تمويل مرن للمنظمات غير الحكومية والمجتمع المحلي لتوسيع برامج مثل النقد مقابل العمل، وتدريب المهارات، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي. كما تؤكد الورقة على ضرورة شراكات فعالة تضمن وصول المساعدات للفئات الأشد تضرراً، مع الاستثمار في مراكز شبابية متعددة الخدمات، وضمان حماية الفئات الهشة. وأخيرًا، تدعوا الورقة إلى التزام طويل الأمد بإعادة إعمار غزة، بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية، بما يعزز القدرة الاقتصادية ويعترف بمرونة السكان ومبادراتهم الذاتية.

أشارت المغربي إلى ان إعادة تشكيل سوق العمل تجري بشكل جذري نتيجة هذه الحرب، الأمر الذي يتطلب استجابة تنسجم مع رؤية تنموية شاملة، لا تقتصر على التدخلات الطارئة فقط، وأشارت إلى أن نحو 50% من المنشآت الاقتصادية قد تدمرت كليًا أو جزئيًا، ما أدى إلى تحولات بنيوية عميقة في سوق العمل، خاصة في ظل تراجع قدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ووصول

بعضها إلى مرحلة الانهيار الكامل. وأكدت المغربي أن الحكومة استجابت من خلال تقديم دعم مباشر للعاملين، وتوفير مساعدات نقدية وعينية، إلى جانب جهود لإعادة تأهيل المنشآت المتضررة، وتمويل المشاريع الصغيرة.

ومن أبرز المقترحات المطروحة للتعافي: تقديم منح مخصصة لإعادة الإعمار، وربط هذه المنح بأهداف تتعلق بتوفير فرص العمل المحلي، وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية، ودعم المشاريع الصغيرة، وخاصة تلك التي تقودها النساء، بالإضافة إلى إنشاء صناديق وطنية للتشغيل تسهم في تنشيط الاقتصاد وتوفير فرص عمل مستدامة.

بدوره قال الباحث الاقتصادي العجلة إن فهم ما يجري في قطاع غزة يتطلب النظر في ثلاثة أبعاد مركزية، تتمثل في النظرة الأيديولوجية المرتبطة بالتطهير العرقي، والهاجس الديمغرافي الصهيوني، إلى جانب التركيبة السكانية الفتية والشابة التي تميز المجتمع الغزي. واعتبر أن هذا "العنصر البشري الشاب" هو المستهدف الأساسي في هذه الحرب.

وأوضح العجلة أن العدوان الإسرائيلي عمل بشكل ممنهج على تدمير البنية التحتية، محذرًا من الآثار الخطيرة للتغيرات الديمغرافية المستقبلية، ومن تفشي وظائف غير رسمية وسوق سوداء تتوسع نتيجة الانهيار الاقتصادي. وفيما يتعلق بآليات التكيف، شدد العجلة على أن "ما يجري في غزة لا يمكن وصفه بصمود تقليدي، بل هو مواجهة لواقع قاس بحد أدنى من الخيارات المتاحة. ودعا إلى تحرك عاجل على المدى القصير، يتمثل في وقف العدوان فورا، وإدخال المساعدات الإنسانية، ومعالجة أزمة السيولة، كما أشار إلى أهمية وضع خطط متوسطة الأجل تستند إلى دراسات معمقة للواقع الاقتصادي والاجتماعي وتستهدف بناء استجابات مستدامة.

أجمع الحضور على خطورة التدمير الديموغرافي، وأهمية إعادة بناء المنشآت التعليمية والصحية، وضرورة الجمع بين الاستجابة الإنسانية العاجلة والرؤية التنموية المستدامة. مع التركيز على تمويل المشاريع الصغيرة، وحماية الفئات الهشة.

الورقة الخلفية