خطط اعادة الاعمار بعد الحرب في فلسطين - يوم دراسي
في إطار متابعة معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) للتداعیات الاجتماعیة والاقتصادیة للحرب منذ أكتوبر 2023 وحوارات سابقة حول الإغاثة والتعافي وإعادة الإعمار، عمل المعهد على حصر الأدلة المعرفية قبیل الشروع في أبحاث سیاساتیة أكثر منھجیة حول الخطط المطروحة لإعادة الاعمار، ولاحقاً للمشاورات المذكورة حول الإغاثة والتعافي، بات من المفید أيضا التعرف بشكل مفصل على مختلف مخططات إعادة الإعمار المطروحة حالیاً لقطاع غزة، ومن ھنا هذه المبادرة لتنظیم "الیوم الدراسي حول إعادة الإعمار بعد الحرب"، والذي سيتعمق في عدد من المقاربات المقترحة حالياً لإعادة الإعمار ويضعها في سياق ما قد ينتظرنا.
لقد ظهرت خلال العام الماضي أعداد مذهلة من الدراسات والمقترحات والخطط والمخططات المتعلقة بما يعرف بـ "اليوم التالي" للحرب (الذي يبدو متردداً في الوصول!)، والتي أعدتها ومولتها مراكز أبحاث وخبراء ومؤسسات أمريكية وأوروبية وعربية وإسرائيلية، ويمكن تصنيف هذه الجهود عموماً في ثلاث فئات، ركزت مراكز الأبحاث الأمريكية وغيرها من الجهات العالمية المؤيدة لإسرائيل بشكل رئيسي على "حوكمة" غزة (وفلسطين) في أعقاب الحرب، خاصةً بطريقة تضمن أمن إسرائيل وتقضي على المقاومة الفلسطينية، أما المجموعة الثانية فتضم أفكاراً وخططاً قديمة/جديدة أعيد طرحها حول معايير الحل النهائي بين فلسطين وإسرائيل: مثل حل الدولتين، أو الدولة الواحدة، أو دولة الفصل العنصري، أو شعبين في أرض واحدة، أو سيادة متوازية، إلخ.
وأخيراً، نُشرت عشرات الدراسات التي تتناول مستقبل التخطيط المكاني ونماذج ومبادئ إعادة الإعمار، ولكل منها تبعات مختلفة على مستوى التخطيط الحضري، والهندسة المعمارية، والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، ويمكن تمييز هذه المجموعة الأخيرة من خطط ودراسات إعادة الإعمار بناءً على عدد من الأبعاد، مثل المؤسسات أو الأجندات التي تمثلها، والرؤى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحملها، ومدى اتساقها مع الأهداف الوطنية الفلسطينية المتعلقة بالسيادة واستعادة التعافي المجتمعي والتمكين، كما توجد تقاطعات واختلافات بين بعض هذه الخطط فيما يخص التصميم الهندسي والمعماري، والتخطيط الحضري، والاستدامة، والجدوى، والتكلفة، ومن البديهي أن بعض هذه الخطط تنطوي على تطهير عرقي، أو في أفضل الأحوال، على مقترح بقيام (كونسورتيوم – تحالف) مالي دولي يتولى بناء غزة وامتلاكها وتشغيلها، باعتباره صفقة سحرية مزعومة لإنهاء حرب عمرها قرن من الزمن.
تركز عدة خطط، بما في ذلك عدد منها قبل اندلاع الحرب، على التخطيط المكاني الأمثل لقطاع غزة، من بينها الدراسة التي أعدها معهد الأبحاث الأمريكي RAND، وخطة غزة 2050 التي أعدها القطاع الخاص الفلسطيني، والخطة الوطنية المكانية لفلسطين التي أعدتها السلطة الفلسطينية. كما تناولت مجموعة من الخطط والدراسات العربية والفلسطينية موضوع إعادة الإعمار من حيث الخيارات المؤسسية والتمويلية، والمبادئ ذات الصلة، والسياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية اللازمة. واقترحت بعض هذه الدراسات خطط تنفيذ تفصيلية، ورؤى معمارية حديثة، وتصاميم هندسية مبتكرة.
تستحق هذه الجهود المهمة التي تقودها مجموعة متنوعة من الفاعلين، سواء أكانوا داعمين أو أقل دعماً، جادين أو مستهترين، أن يتم فحصها مهنياً، وتحليلها بشكل مقارن، وتوليفها بطريقة تتيح بلورة رؤية توافقية قائمة على أفضل الممارسات تنبع من القاعدة الشعبية إلى الأعلى، فلا توجد خطة مثالية، ولم تعرض أي منها للنقاش العام أو لمشاركة المجتمع المحلي، وجميعها تظل مرهونة بنتائج سياسية على أرض الواقع في غزة والمنطقة، ومع ذلك، لم يفت الأوان بعد لفهم المزيد واستشراف مستقبل فلسطين، كخطوة أولى نحو استعادة الفاعلية والسيادة.
