اللامساواة في الحالة الفلسطينية: ما بين الاستعمار الاستيطاني وعجز السياسات العامة
أظهرت هذه الدراسة أن اللامساواة في الحالة الفلسطينية ترتبط أساساً بسياق الاستعمار الاستيطاني، الذي يعمل على شتى الأصعدة الممنهجة وغير الممنهجة لضرب جميع البنى التنموية الفلسطينية، وبالتالي تدمير بنى المساواة. لكنها، أيضاً، تتأثر على المستوى الذاتي، بالسياسات والممارسات الحكومية، ومدى نجاعتها في الحد من اللاتنمية ومكافحة الفقر والقضاء على اللامساواة. ففي سياق التحليل لمؤشرات اللامساواة في المجالات التي تطرقت إليها الدراسة، وعلى الرغم من بعض التحسينات في الخدمات العامة ومستويات المعيشة للسكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، أدى سياق الاستعمار الاستيطاني، وما يشمله من تشرذم في المناطق التابعة للسلطة الفلسطينية، إلى إعاقة التنمية، وإلى عدم المساواة في قدرة شرائح المجتمع، كافة، على الوصول إلى الفرص والخدمات، اعتماداً على المكان الذي يعيش فيه الفرد في الضفة الغربية وقطاع غزة. هذا التشرذم الجغرافي، وسياسات سلطة الاستعمار، خلقا حقائق متباينة وتحديات معقدة في مناطق لم تنل نصيبها العادل من التنمية البشرية، مثل قطاع غزة المحاصر، والمناطق المسماة "ج"، ومخيمات اللاجئين. فعلى مدى عقود، عانى الشعب الفلسطيني من التداعيات السلبية للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الذي فرض إجراءات عقابية وتدمير ممنهج للاقتصاد والبنية التحتية، ما خلق مجموعة واسعة من التحديات والصعوبات عبر المشهد السياسي والاقتصادي، وهذا كله أدى إلى تعزيز حالة اللامساواة المناطقية، والخدمية، كنتاج لسياسات الحصار، والعزل، والحواجز العسكرية، والسياسات الاقتصادية والمالية التي تفرضها سلطة الاستعمار على الفلسطينيين.
وأظهرت الدراسة أن السياسات والإجراءات التي تتخذها السلطة الفلسطينية، وعلى الرغم مما يشوبها من أوجه قصور، قد تسهم في الحد من حالة اللاتنمية، وبالتالي حالة اللامساواة بين المناطق والشرائح الاجتماعية المختلفة، إلا أنها تبقى عاجزة عن إحداث التنمية، والحد من الفقر، وتعزيز المساواة، في ظل استمرار السياق الاستعماري. وبالتالي، فإن أية عملية تنموية حقيقية تشمل تحقيق التوزيع العادل في الوصول إلى الموارد والخدمات، والحصول عليها، ترتبط أساساً بمبدأ حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، والتنعم بدولتهم المستقلة.
وقد أظهرت الدراسة أن التحديات الناتجة عن ضعف السياسات العامة ارتباطاً بخلل توزيع الموارد ما بين القطاعات المختلفة، ولا سيما ضعف المخصصات المالية من الموازنة العامة للخدمات الأساسية، لم تمنع ارتفاع اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يتطلب وضع سياسات تنموية ومالية حساسة للخدمات الأساسية وللأماكن الأكثر تهميشاً، وللفئات الأكثر ضعفاً، الذي من شأنه الحد من حالة اللامساواة.
كما أظهرت الدراسة جلياً أن اللامساواة في الحالة الفلسطينية لا ترتبط بالمؤشرات الاقتصادية فحسب (الفقر والدخل والأجور)، وإنما تشمل مجمل الأبعاد التنموية، بما فيها الحماية الاجتماعية، والتعليم، والصحة، وخدمات الطاقة والمياه. ومن هنا، فإن الحد من اللامساواة في الحالة الفلسطينية يتطلب نهجاً شمولياً يركّز على مجمل الأبعاد التنموية، ولا يقتصر على الأبعاد الاقتصادية فقط.