اقتصاد التراث الثقافي في فلسطين والتنمية المستدامة
يعتبر التراث الثقافي والطبيعي والصناعات الثقافية الإبداعية موارد أساسية للتنمية المستدامة في فلسطين، وتلعب دوراً محورياً في تعزيز القطاع السياحي، ما يجعل أنشطتها وارتباطاتها المتبادلة بمثابة المحرك لما يمكن اعتباره نواة "اقتصاد التراث الثقافي" الفلسطيني. يستند هذا الاقتصاد إلى مقومات مادية وغير مادية مهمة، مما تتمتع به فلسطين من غنى وتنوع في تراثها الأثري والحضاري والديني، حيث تزخر بآلاف المواقع الأثرية والتاريخية والدينية والطبيعية، كما أن فلسطين هي مهد الديانات الثلاث، وهي مكان مولد السيد المسيح ومسرى النبي محمد، وتعج بآلاف المقامات والأضرحة، ما يعبر، بشكل كبير، عن غنى تراثها الروحي. إضافة الى مقوماتها الطبيعية والبرية المميزة عالمياً، تمتاز فلسطين، أيضاً، بتراثها الشعبي غير المادي من تقاليد، وممارسات ثقافية، وموسيقى، وعادات، وحرف تقليدية، ومهرجانات، وأعياد دينية، وصناعات حرفية وإبداعية مميزة (Taha, 2020). تعتبر الصناعات الثقافية الإبداعية من أسرع الصناعات نمواً في العالم، وقد ثبت أنها خيار إنمائي مستدام، يعتمد على مورد فريد ومتجدد هو الإبداع البشري.
تأتي هذه الدراسة في إطار اهتمامات معهد "ماس" بخدمة صانعي القرار لتسخير موارد التراث الثقافي والطبيعي والصناعات الثقافية الإبداعية في دعم عملية التنمية المستدامة. كما تعالج هذه الدراسة واقع التراث الثقافي والطبيعي، والصناعات الثقافية الإبداعية ودورها في تعزيز القطاع السياحي، وسبل تمكين التراث الثقافي والطبيعي من لعب دور محوري في عملية التنمية الاقتصادية في فلسطين. لكن فلسطين تواجه قيوداً كبيرة أمام التوسع السياحي والتحكم بمجرياته بسبب سيطرة الاحتلال على تدفق السياحة الدولية، وكذلك على المساحات الطبيعية والبرية الواسعة، والعديد من المواقع الأثرية والتاريخية.
تسترشد الدراسة بأهداف خطة التنمية المستدامة للأمم المتحدة، التي تتلخص في كيفية توظيف قوة التراث الثقافي والطبيعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق الازدهار، من خلال تعزيز روح الشراكة. في العام 2015، تم إدراج الثقافة لأول مرة في جدول الأعمال الدولي للتنمية المستدامة، وذلك ضمن أهداف التنمية التي اعتمدتها الأمم المتحدة.[1]