دور بنوك البريد في توفير الخدمات المالية وجدوى إقامته في فلسطين - ملخص سياساتي العدد (4)

الكاتب: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)
السنة: 2022

إن فكرة بنك البريد أو تقديم الخدمات المالية عبر البريد ليست جديدة بل تعود الى بدايات القرن الماضي حين بدأ يلعب قطاع البريد عالميا دوراً رائداً في تعزيز الشمول المالي نظراً لوجوده على نطاق واسع في المناطق الريفية والفقيرة، ويعتبر ثاني أكبر مساهم في الشمول المالي على مستوى العالم.

تختلف نماذج الأعمال المتبعة من قبل مشغلي البريد في الدول العربية في سبيل تعزيز الشمول المالي اعتماداً على قدرتهم على تحديث أنظمة المعلومات الإدارية والبنية التحتية والوقت والخبرة اللازمان لتنفيذ ذلك. منهم من يعمل كوكيل لمؤسسات مالية لديها منتجات مالية ذات علامة تجارية، فمثلاً يتيح بريد مصر خدمة فتح حسابات جارية لصالح بنك مصر المملوك للدولة، ومنهم من يقدم خدمات مالية خاصة لصالح البريد نفسه مثل التحويلات المالية المحلية والدولية التي تتم عبر الأنظمة الخاصة بالبريد بالتعاون مع الجهات المختلفة لقطاع البريد.

في الآونة الأخيرة، قامت حكومة الاحتلال بخصم قيمة المساعدات التي تقدمها الحكومة الفلسطينية لعوائل الشهداء والجرحى والأسرى من أموال المقاصة، كما وأصدر قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 9/2/2020، أمراً عسكرياً يحمل رقم 1827، والذي يحظر على البنوك الفلسطينية الاحتفاظ بحسابات الأسرى، وإلا فإنها تُعتبر وموظفيها شركاء في "الجريمة" وأن ذلك ينطوي عليه عقوبة قد تصل إلى سبع سنوات في السجن لمدراء وموظفي البنوك وغرامة باهظة. على أثر ذلك، اتخذت البنوك قراراً بإغلاق حسابات الأسرى البنكية تجنبا لملاحقتها من قبل الاحتلال الإسرائيلي. على الرغم من كل الضغوطات والتهديدات التي مارسها الاحتلال في محاولة منه لزعزعة الاستقرار الاقتصادي والتضييق مالياً على هذه الفئة من الأسر، وقفت الحكومة الفلسطينية موقفاً ثابتاً إزاء هذه القضية. حيث لجأت إلى دفع رواتب الأسرى والجرحى وذوي الشهداء بشكل كامل من خلال البريد الفلسطيني الذي يعتبر خارج نطاق التهديدات الإسرائيلية للبنوك المحلية العاملة في فلسطين، وقامت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بتجهيز 20 صرافاً آلياً خلال فترة زمنية قصيرة في مختلف محافظات الوطن، ويستفيد كل من له حساب بريدي من الخدمات المالية مثل السحب والإيداع التي توفرها هذه الصرافات.

الواقع في فلسطين يشير إلى أنه على الرغم من الجهود المبذولة من قبل سلطة النقد الفلسطينية والجهات الأخرى ذات العلاقة إلا أن هناك انخفاضا في مستويات الشمول المالي خاصة لدى الفئات المهمشة كالفقراء/والعاطلين عن العمل، والشباب، والنساء، والشركات متناهية الصغر والصغيرة. لذلك من الممكن أن تكون مكاتب البريد الحالية أكثر وصولاً للفئات المهمشة مثل الفقراء والنساء والأشخاص خارج القوة العاملة والعاطلين عن العمل والسكان في المناطق "ج"، من خلال عملها كمزود للخدمات المالية المتنوعة مثل خدمات تحويل الأموال، ودفع الفواتير، وخدمات الادخار والتأمين.

أما في قضية الأسرى والجرحى وأسر الشهداء، فعلى الرغم من الآلية الجديدة التي ابتكرتها الحكومة من أجل استمرار صرف رواتبهم عبر مكاتب البريد، إلا أنهم يعانون من انعدام الخدمات المالية المتاحة لهم بعد إغلاق حساباتهم البنكية وإحجام المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية عن التعامل معهم. لذلك تعتبر فكرة وجود بنك للبريد أمر ذا أهمية بالغة للأسرى والجرحى وأسر الشهداء، من أجل شمولهم ماليا وليتمتعوا كما باقي فئات المجتمع بالخدمات المالية المختلفة (فتح حسابات، تحويل الأموال، والإيداع والاقتراض، الخ). أيضا، يعتبر البريد الفلسطيني حديث العهد، فقد تسلمت السلطة الوطنية الفلسطينية البريد من الاحتلال الإسرائيلي في العام 1994 ببنية تحتية ضعيفة ووضع مهلهل، هذا بالإضافة إلى المعيقات الإسرائيلية التي تحد من تطوير البريد الفلسطيني وتوسيع أعماله. لذلك، ينظر المسؤولين في البريد الفلسطيني إلى توفير الخدمات المالية فرصة كبيرة من أجل تعزيز الإيرادات المالية والتي من شأنها أن توفر الميزانيات اللازمة لتطوير البنية التحتية البريدية والانتشار في مختلف المناطق، بالإضافة إلى توفير الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على التعامل مع النمو المتسارع في الطلب على الخدامات البريدية وأيضا الخبرات والكفاءات في مجال الخدمات المصرفية.

تحميل الملف