افاق التنمية في فسطين 2021 - الصمود في وجه العاصفة , التعبئة معا
يصدر لأول مرة "تقرير آفاق التنمية في فلسطين" الذي يلقي نظرة فاحصة على الحالة الراهنة للتنمية في فلسطين، من خلال قراءة علمية للإفرازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للسنوات الـ25 منذ إبرام اتفاقيات أوسلو، وتحليل تداعياتها وآفاق تعزيز فرص تحقيقها. يعتبر التقرير ثمرة تفكير وحوار علمي بين أفراد طاقم البحث (وهم من مختلف التخصصات والمستويات والتجارب)، وإسهاماتهم القيمة في مختلف مراحل صياغة التقرير. يعكس التقرير استنتاجاتهم ومقترحاتهم ورؤيتهم الموضوعية، بصفتهم مجموعة من الباحثين الحريصين على مستقبل التنمية الفلسطينية، ولا يعكس التقرير بالضرورة مواقف معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) الذي ينشره، أو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي قدم الدعم المالي لإنجازه.
في جزئه الأول، يأخذ التقرير، الذي أعد العام 2021، كمنطلق ومرجع إحصائي لدراسته حالة التنمية، التغييرات الحاصلة في مؤشرات التنمية البشرية الفلسطينية بين 2014 (حين صدر آخر "تقرير للتنمية البشرية الفلسطينية") و2019 (آخر سنة توفرت بيانات حول تلك المؤشرات)، مضيفا بعض البيانات والمعلومات الأحدث بحسب توفرها (لعام 2020 و2021). نظراً لما لا تستطيع كشفه هذه المؤشرات الجامدة من حقائق حول المعضلة التنموية الفلسطينية الفريدة من نوعها، يشمل التقرير في جزئه الثاني دراسة متعمقة لما يراه فريق البحث كمداخل أساسية لفهم حالة التنمية (العاصفة) واحتمالات عكسها من خلال رؤية وعزيمة تنموية محدثة (جمعياً).
هكذا يتناول التقرير تباعاً أربعة محاور دراسية: التشوه الهيكلي الاقتصادي، وآثار الأمولة الليبرالية، ثم الطريق الشاق نحو التنمية الاجتماعية وأخيرا المسؤولية الفلسطينية في الحوكمة. كون دراسة الاقتصاد الفلسطيني هي مسألة "اقتصاد سياسي" بامتياز، و"تنموي" بالمقام الثاني، بالتالي يتم تأطير التحليل الاقتصادي الاجتماعي للتقرير في سياق محاولة استكشاف السيناريوهات السياسية، التي من شأنها التأثير على آفاق تحقيق التنمية ودور وواجبات المجتمع الدولي في ذلك.
لا يسعى هذا التقرير لتغطية جميع جوانب التجربة التنموية الفلسطينية في الفترة منذ 1994 أو منذ 2014 بذات التفصيل، ولا يمكن إلا أن يكون انتقائياً في تركيزه واستفاضته فيما يدرسه من محاور تحليلية. ذلك من باب قناعة المؤلفين بأن القضايا المختارة هي أبرز القضايا على الصعيد الكلي التي يجب التركيز على معالجتها كمقومات لإطلاق عملية تنموية مستدامة. كما لا يسعى التقرير إلى تقييم أداء السياسات الفلسطينية الاقتصادية خلال تلك الفترة الطويلة بالذات أو برامج أية حكومة معينة منذ 1995، بل يركز على ما ورثته الحكومة الحالية وستتحمله الحكومات القادمة في مواجهه التحديات التي آلت إليها عملية التنمية المستعصية حتى مرحلة إعداد التقرير. حتى لو تبدلت بعض النسب أو المؤشرات بين سنة وأخرى، يأتي التقرير للتأكيد على أن المشاكل البنيوية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تعالج إلا بتغيير الموازين السياسية والاقتصادية للتمكين من حل جوهر المشكلة، الكامن في دوام الاستعمار وإنكار الحقوق الفلسطينية كافة.
يطرح الفصل الأخير رزمة من التوصيات بخصوص المحاور التنموية الأربعة التي ركز عليها التقرير، واستخلاص بعض العبر من التغيرات السياسية المحلية والإقليمية الأخيرة، ويستعرض بعض التفسيرات والتحاليل العلمية البديلة لما تعرضه تقارير دولية أو رسمية حول التجربة التنموية الفلسطينية. لكن لا يُقصد من التقرير أن يكون وثيقة "سياساتية"، بقدر ما هو استنتاج لتحليل مشترك، استند إلى قرابة الـ 200 مرجع ومصدر علمي وإحصائي فلسطيني ودولي، بلغة المؤلفين نفسهم، بتوازن لكن دون مجاملة، بهدف تشجيع الحوار الصريح والبناء في مرحلة عصيبة من المسار التنموي الفلسطيني وفي تاريخ حركة تحرر الشعب الفلسطيني، من مختلف أشكال الظلم. من نافل القول، أن سردية التقرير تغطي حقبة زمنية انتقل خلالها عبء التنمية المتراكم من حكومة إلى أخرى.
كما يوحي الاقتباس في مقدمة التقرير من فرانز فانون، كبير منظري مناهضة الاستعمار، فإننا نريد أن نوصل رسالة أن الشعب الفلسطيني لا يقاوم المحتل الإسرائيلي محبة بالعنف، بل لأنه صاحب قضية حقوق وعدالة (سياسية واقتصادية واجتماعية) غير قابلة للتصرف، رغم العصر الذي يشرع فيه قانون الغاب والمعايير المزدوجة. كما تؤشر أقوال فانون إلى أن الجيل الفلسطيني الجديد الذي تربى وسط آمال وإخفاقات مرحلة أوسلو بسبب قيود الاحتلال الصارمة على السيادة والتنمية والحريات، والذي بات الضحية الأولى لعدم تحقيق التنمية، سيكتشف ويقرر مصيره، كما فعل الجيل الذي سبقه، وبناء على تجاربهم وإنجازاتهم، و في التعلم من أخطائهم، في الحرب الدائرة منذ مائة عام مع الاستعمار الاستيطاني المتواصل.
هكذا يعيد التقرير مسألة التنمية الفلسطينية إلى مربعها الأصلي، المتمثل بخوض الشعب الفلسطيني نضالا مشروعا بحسب القانون الدولي، لممارسة حقه في تقرير مصيره في دولة مستقلة وإحقاق حقوقه وحريته السياسية والاجتماعية والاقتصادية المؤجلة.
بقية الحكاية تفاصيل.