الملتقى الأهلي التشاوري حول الإغاثة والتعافي في فلسطين التقرير النهائي والتوصيات
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي واسع النطاق على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، دخلت فلسطين مرحلة إنسانية غير مسبوقة من حيث حجم الدمار، ونطاق النزوح، وتعقيد الاحتياجات. بينما استنزفت المرحلة الطارئة طاقات الفاعلين المحليين والدوليين، بدأت تطرح أسئلة جوهرية حول كيفية تحويل الاستجابة من حالة طوارئ مستمرة إلى عملية تعافٍ تدريجي مبني على أسس واقعية وممهدة لمرحلة إعمار ستستغرق سنوات عديدة. تنطلق تساؤلات الخبراء ومؤسسات المجتمع الأهلي الفلسطيني، من اهتمامها بأن تتسم مرحلة الإغاثة والتعافي بملكية فلسطينية، وشراكة مجتمعية واضحة، وتخطيط يستجيب للظروف المتغيرة.
بناء عليه، أطلق معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) بالتعاون مع مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية في قطاع غزة وبمواردهما الذاتية، مبادرة تشاورية فنية وسياساتية سعت إلى خلق فضاء مفتوح للتعرف عن كثب على التجارب الجارية في الاستجابة، وتحديد المسارات الممكنة لجهود التعافي، انطلاقاً من الحاجة إلى أدوات تنسيقية، مبادئ مرجعية، ورؤية جامعة. نظمت سلسلة من ست جلسات تشاورية خلال الربع الأول من عام 2025، جمعت كل منها ممثلين عن الحكومة الفلسطينية، منظمات الأمم المتحدة، المنظمات الدولية غير الحكومية، مع خبراء التخطيط الحضري والتنموي، ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المتخصصة، بهدف بناء فهم تشاركي للأولويات، وتحديد الفجوات في التنسيق، وتحليل التدخلات القائمة.
افتتحت السلسلة بالجلسة الأولى التي عُقدت في 8 كانون ثاني 2025، بمشاركة كل من هنادي براهمة، وزارة التنمية الاجتماعية، ومهدي حمدان، وزارة الدولة لشؤون الإغاثة، حيث ناقش المتحدثون التحديات المؤسسية في إدارة الاستجابة، وأهمية بناء قواعد بيانات موحدة، وتعزيز آليات التنسيق مع المجتمع المدني.
تلتها الجلسة الثانية في 15 كانون ثاني 2025، التي شارك فيها كل من جين وايت، مديرة برنامج الغذاء العالمي، وهاميش يونغ، منسق الشؤون الإنسانية في منظمة اليونيسف، ورولاند فريدريش، مدير شؤون الأونروا، حيث قدمت عروض تفصيلية حول المساعدات الغذائية، الأثر الصحي للحرب، وانهيار شبكات التعليم والمياه، مع التركيز على استجابات الأطفال والنساء.
في 21 كانون ثاني 2025، عقدت الجلسة الثالثة بمشاركة كل من وسام شويكي، مدير المجلس النرويجي للاجئين، وإياد الأعرج وعمر غريب، منظمة أوكسفام، وسلستين شورليمر، رئيسة قسم السياسات والمناصرة في رابطة وكالات التنمية الدولية - AIDA، ونوقش خلالها الأدوار الميدانية أثناء الحرب، قضايا الحوكمة، وتحديات التمويل والتسجيل والتنسيق مع الجهات الفلسطينية.
أما الجلسة الرابعة، المنعقدة في 29 كانون ثاني 2025، فركزت على الخطط والرؤى الإقليمية والدولية لما بعد الحرب، بمشاركة الخبيرين د. وليد حباس ود. ماندي تيرنر، وقد سلطت الضوء على تداخل الأجندات الخارجية، وصعود ما سمي بـ "رأسمالية الكوارث"، وتراجع مركزية القرار الفلسطيني في ملفات وخطط إعادة الإعمار.
في 12 آذار 2025، ناقشت الجلسة الخامسة العلاقة بين الخطة الفلسطينية والخطة المصرية العربية، بمشاركة وزير التخطيط والتعاون الدولي د. وائل زقوت، الذي عرض تفاصيل الخطة الوطنية واستعرض إشكاليات التخطيط المكاني، وقضية الملكيات الخاصة، وآليات حوكمة إعادة الإعمار.
اختتمت السلسلة بالجلسة السادسة في 25 آذار 2025، التي استعرض خلالها ممثلو البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، واليونسكو تقرير تقييم الأضرار والاحتياجات، حيث نوقشت مسألة عدم وضوح المرجعيات التنفيذية، ومحدودية البيانات، وضرورة إدماج التخطيط المكاني والهوية الثقافية في المسارات القادمة.
يقدم هذا التقرير في فصوله التالية ملخصات لكامل الجلسات ومداولاتها، لتشكل مرجعاً أولياً لفهم التحديات والمعوقات البنيوية، وقد تم الاعتماد عليها في صياغة مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات السياساتية المشتركة، إلى جانب خمسة مبادئ توجيهية، نقدمها هنا كإطار مرجعي لضبط الجهود الإنسانية والتنموية في قطاع غزة، من منطلق السيادة، الكفاءة، والمشاركة الفاعلة.