الفرص الضائعة في غور الأردن والبحر الميت والآفاق الاستثمارية الفلسطينية
استهدفت هذه الدراسة منطقة الأغوار والبحر الميت وما تم نهبه من قبل الاحتلال الإسرائيلي لها. وقد استند موضوع الدراسة إلى ضرورة تسليط الضوء على تلك المنطقة الحساسة والاستراتيجية وما تحتويه بشكل استثنائي، من ثروات ومقدرات وفيرة ومتميزة، وكذلك أهمية الترابط الجغرافي بين المناطق الفلسطينية ودول الجوار، وأهميتها كمقوم أساسي للدولة الفلسطينية. هذا الوضع كله يستدعي تخصيص اهتمام أكبر لدراسة وتشخيص ملامح هذه المنطقة وحجم الضرر الذي تعرض له الاقتصاد الفلسطيني من نهب وخسائر من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
وقد ركزت الدراسة على تشخيص مفصّل لمنطقة الأغوار وتقسيماتها، التي تشكل 30% من مساحة الضفة الغربية، و7.4% من مساحتها تصنف كمنطقة "أ"؛ أي تخضع لسيطرة دولة فلسطين، و4.3% من مساحتها تصنف كمنطقة "ب"؛ أي تخضع لسيطرة مشتركة بين دولة فلسطين ودولة الاحتلال الإسرائيلي، أما 88.3% من مساحتها الكلية، فتصنف كمنطقة "ج"، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة. وبالنظر إلى المعطيات أعلاه، يمكن إجمال الأهمية التي تتمتع بها منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، وقد بينت الدراسة الأبعاد التنموية والاقتصادية المتمثلة في أن هذه المنطقة تشكل مساحة لاستيعاب التزايد السكاني في الضفة الغربية، وتتمتع أراضيها بخصوبة عالية، وترفد السلة الغذائية الفلسطينية، وتوفر فرص عمل كبيرة، إضافة إلى الإمكانيات المتوافرة في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والمعادن، والمياه.
كما ركزت الدراسة على البحر الميت ومقدراته وأهميته الصناعية، وعرضت الاستغلال الإسرائيلي لهذه المقدرات، وحرمان الفلسطينيين منها على الرغم من كثرة الجهود والخطط الاستراتيجية الوطنية والقرارات الحكومية، ومشاريع المانحين وبرامجهم، التي تستهدف مناطق "ج"، وبخاصة منطقة الأغوار وشمالي البحر الميت، إلا إنها لم تسعف هذه المناطق حتى هذه اللحظة، ولم تتمكن من إحداث تغيير حقيقي في المنطقة "ج"، وبخاصة منطقة الأغوار والبحر الميت، ولم تساهم في إنقاذ حالة التردي التي يعيشها سكان هذه المناطق.
خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج الأساسية، وأبرز هذه النتائج أن مناطق الأغوار تشكل العمق الاستراتيجي للبنية التحتية التنموية والجيوسياسية للدولة الفلسطينية، فهي تشكل الامتداد الحقيقي للتواصل الجغرافي الفلسطيني بين مناطق الضفة الغربية، ومع دول الجوار، وتكتنز بالموارد الطبيعية والأراضي الصالحة للزراعة والتمدد العمراني والاستثماري، لذلك لا يمكن إحداث تنمية حقيقية؛ سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو قطاعية (القطاع الزراعي بالتحديد) أو حتى تجارية، بحكم الحدود مع الأردن، دون استغلال هذه المناطق. كما أن هناك استغلالاً ونهباً واضحين لثروات البحر الميت من قبل دولة الاحتلال، حيث إنها تحقق عائدات بما يزيد على 5 مليارات دولار سنوياً، وهذا يشكل خمسة أضعاف الاستفادة الأردنية، في الوقت الذي تُحجب فيه الحقوق الفلسطينية في الاستفادة من ثروات البحر الميت. وبافتراض أن فلسطين ستحصل على خمس هذه الثروات، فإنها قد تحقق عائداً قيمته مليار دولار سنوياً على الأقل. وتخسر فلسطين العديد من الفرص الاستثمارية للمشاريع السياحية ومشاريع منتجات البحر الميت بالمقارنة مع مشاريع دولة الاحتلال والأردن، إذ تقدر مدخولات هذه المشاريع في الجانب الإسرائيلي بما يزيد على 600 مليون دولار سنوياً، وهذا يعني خسارة فلسطينية تقدر بنصف هذه المبالغ؛ أي إنه لو أتيح للفلسطينيين استغلال إقامة مشاريع، لكانت تحقق 300 مليون دولار، وفي المحصلة زيادة في الدخل المحلي بما يقارب 1.3 مليار دولار من المشاريع ومن ثروات البحر الميت. يضاف إلى ذلك الخسائر الفلسطينية نتيجة عدم الاستفادة من منطقة الأغوار.
خرجت الدراسة بإطار عمل كتوصيات أساسية، وهذا الإطار يوصي بتوفير جميع أدوات الدعم والمناصرة، سواء على المستوى المحلى أو الدولي، والسعي للحصول على الدعم السياسي والضغط على الحكومة الإسرائيلية لمنع عرقلة تنفيذها، وكذلك تبني مسار قانوني بطرق قانونية وسياسية ودبلوماسية، وحشد التأييد الدولي ضد ممارسات الاحتلال انطلاقاً من وجود مبادئ قانونية، وهي مبادئ حقوق الإنسان، التي يجب أن تكون منطلقاً أساسياً لمواجهة القوانين والإجراءات الإسرائيلية على الأرض.
ضمن هذا الإطار، فإن التحرك أو التدخل المطلوب حالياً هو القيام بتدخلات اقتصادية استراتيجية تنموية وآنية بهدف تعزيز الصمود على الأرض، والتخفيف من حدة الآثار الاقتصادية السلبية، وهذا يتطلب القيام بمجموعة خطوات، وأبرزها:
- الإعفاء الكامل من رسوم الترخيص والتسجيل، ورسوم معاملات الأراضي والبيوت والمشاريع الزراعية والإنتاجية، وكذلك إعفاء الأراضي والبيوت من ضريبة الأملاك، وإعفاء كامل من ضريبة الدخل لمدة ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.
- تبني تعرفة مياه وكهرباء رمزية في فترة قصيرة الأجل لتحفيز الاستثمار، وفي حالة الاستقرار يمكن وضع تعرفة معقولة، ولكن يجب أن تكون تشجيعية أيضاً.
- الاستثمار في المياه العادمة لزيادة كميات المياه للزراعة، وهذا بحاجة إلى طرح عطاءات حكومية، وجذب جهات دولية ومحلية، وذلك ضمن ضمانات حكومية.
- إنشاء عيادات بيطرية ومراكز زراعية ومختبرات متخصصة مدعومة من قبل الحكومة.
- تخصيص مبالغ تطويرية كافية من الموازنة العامة للبنية التحتية في منطقة الأغوار.
- الاستثمار في مشاريع الطاقة البديلة، وتنفيذ استراتيجية الطاقة المتجددة بتشجيع زيادة استخدام الطاقة الشمسية الحرارية في مجالات مختلفة عدة، بما في ذلك سخانات المياه بالطاقة الشمسية، والتدفئة الشمسية، ومجففات الفواكه بالطاقة الشمسية، وإنشاء محطات الطاقة الشمسية للتجمعات السكانية والمشاريع القائمة والجديدة.
- الاستثمار في مشاريع التربية الحيوانية، وتحديداً تربية الماعز والأسماك، حيث إنه من الممكن البدء بتطوير خيارات تربية الماعز ليكون مصدراً للغذاء في فلسطين، والوصول إلى مستويات عدم الاستيراد من لحوم الماعز والخراف.
- الاستثمار في مشاريع زراعية بتنفيذ خطة سلطة جودة البيئة لمواجهة المناخ في طرق الإنتاج والزراعة الذكية مناخياً، والاعتماد على وسائل أكثر كفاءة في عمليات الحصاد وما بعد الحصاد، والاستخدام الأمثل للموارد في سلسلة القيمة الزراعية، واستهداف الخضروات والأعشاب والفواكه التي تلبي حاجة السوق المحلي.