سوق الغاز في فلسطين : الواقع والتحديات

الكاتب: حبيب حن, مسيف جميل
السنة: 2024

يواجه قطاع الغاز في فلسطين تحديات فريدة ناتجة عن الترتيبات السياسية والتجارية القائمة وممارسات الاحتلال، ما أدى إلى الاعتماد على استيراد الغاز من إسرائيل فقط، وتهريب المحروقات والغاز، وسوء توزيع محطات الغاز، وانخفاض السعة التخزينية لهيئة البترول، وتحكم إسرائيل في الأسعار، إضافة إلى تحديات مرتبطة بالسلامة العامة نظرا لطبيعة عمل القطاع وضعف التشريعات ذات الصلة.

أصدرت الحكومة الفلسطينية مؤخراً القرار بقانون رقم (5) لسنة 2023 بشأن الهيئة العامة للبترول، وتبعه نظام التراخيص رقم (6) للعام نفسه الذي يسمح للمواطنين بالحصول على تراخيص لفتح محطات محروقات وغاز جديدة في الضفة الغربية. أثار هذا النظام والقرار مخاوف أصحاب محطات الغاز بشأن تشبع السوق وآلية منح التراخيص. ولمعالجة هذه المخاوف واتخاذ قرارات سياسية مدروسة، كلفت النقابة العامة لأصحاب شركات الغاز، باتفاق مشترك مع مجلس الوزراء (الأمانة العامة) ووزارة المالية ممثلة بالهيئة العامة للبترول، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) بإجراء دراسة سوقية معمقة لقطاع الغاز في الضفة الغربية.

استخدمت الدراسة منهجاً مختلطاً يجمع بين البحث الكمي والنوعي للوصول إلى فهم شامل لقطاع الغاز. قامت الدراسة بتحليل مؤشرات انتشار محطات الغاز ومستويات الطلب ومقاييس الأداء باستخدام البيانات الثانوية المتاحة من قبل الجهات الرسمية، بالأخص الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والإدارة العامة للبترول. وشمل التحليل مقارنات بالمعايير والممارسات الدولية في الدول المجاورة مثل الأردن ومصر وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك قامت الدراسة بتنفيذ مسحين على مستوى الطلب (الأسر) والعرض (شركات الغاز)، لجمع وتحليل البيانات حول أنماط استهلاك الغاز، وجودة الخدمة، والقدرات الإنتاجية، والعمليات التشغيلية، وغيرها من المؤشرات الضرورية لبناء فهم معمق لقطاع الغاز وتقييم أدائه، وفحص الحاجة لمحطات تعبئة غاز جديدة. وقد ساعدت هذه المسوحات الاستقصائية في تقييم المنافسة في السوق وتحديد التحديات التي تواجه القطاع من وجهات النظر المختلفة.

 بالإضافة لذلك، تم إجراء مقابلات معمقة مع ممثلي الهيئة العامة للبترول ونقابة أصحاب شركات الغاز لتقريب وجهات النظر واستكشاف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية المؤثرة على قطاع الغاز، وكذلك الجهود الحالية للنهوض بالقطاع. كما عُقدت ورشة عمل مع أصحاب المصلحة لمناقشة نتائج الدراسة وتحسين التوصيات باستخدام أسلوب نقاش تشاركي بنّاء يحقق الاستفادة القصوى من الخبرات المتراكمة في القطاع.

تضم الضفة الغربية 32 محطة تعبئة غاز (منها أربع محطات غير فعالة ومحطة هُدمت)، و1308 وكالة غاز تحصل على إمداداتها من الهيئة العامة للبترول، التي تقوم باستيراد الغاز من الاحتلال. يتم تحديد أسعار الغاز شهريا من قبل الهيئة العامة للبترول، ويضاف هامش ربح ثابت لمحطات تعبئة الغاز على كل طن يتم بيعه. في عام 2022، استهلك الفلسطينيون ما يقارب من 227.7 ألف طن من غاز البترول المسال، مدفوعاً بالدرجة الأولى بالقطاع المنزلي الذي شكل ما نسبته 82.1% من إجمالي الاستهلاك بسبب ضعف القطاعات الإنتاجية في فلسطين. ورغم نمو استهلاك الغاز بمعدل 4.2% سنوياً خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن هذا النمو تركز في قطاع غزة (9.6%) بينما كان محدودا في الضفة الغربية (2.1%). كما أظهرت الدراسة أن حصة الفرد من استهلاك الغاز بقيت مستقرة في الضفة الغربية خلال السنوات الخمس الماضية، بينما ارتفعت تدريجياً في قطاع غزة قبل الحرب المستمرة التي تسببت بدمار شامل وكارثة إنسانية.

أظهرت الدراسة أن محطة تعبئة الغاز الواحدة تغطي حوالي 173.4 كيلومتر مربع بالمتوسط من مساحة الضفة الغربية، وتنخفض التغطية إلى 62.6 كيلومتر مربع عند التركيز على المناطق الخاضعة للسيطرة الإدارية للسلطة الفلسطينية وذات الكثافة السكانية المرتفعة نسبياً. وتتمتع محافظة الخليل بأعلى تغطية جغرافية لكل محطة وأعلى تغطية على مستوى عدد الأسر المخدومة. كما أظهرت الدراسة أن هناك موسمية واضحة في استهلاك الغاز، إذ يرتفع في فصل الشتاء وينخفض في فصل الصيف، بالإضافة إلى الاعتماد الكبير على وكالات الغاز مقارنة بالتعبئة المباشرة من محطات الغاز. تشير هذه النتائج إلى أن زيادة عدد محطات تعبئة الغاز قد لا تحسن إمكانية الوصول بشكل كبير. وهذا ما أكدته نتائج مسح الأسر الفلسطينية، والذي أظهر مستوى رضا جيد عن محطات تعبئة الغاز مع بعض التحديات المتعلقة بإغلاق الطرق في الفترة الأخيرة وأوقات الانتظار في فصل الشتاء ومخاوف خاصة بإجراءات السلامة العامة. كما أظهر تحليل نتائج مسح محطات تعبئة الغاز أن المحطات تعمل بنحو 33% من قدرتها الإنتاجية بالمتوسط، وتواجه جملة من التحديات مثل الاعتماد الكبير على وكالات الغاز، وتهريب الغاز، والمنافسة الشديدة.

لمعالجة التحديات وتعزيز كفاءة قطاع الغاز وسلامته، توصي الدراسة بتنفيذ ضوابط أكثر صرامة لمنع التهريب، وتقديم حوافز اقتصادية للامتثال، وزيادة قدرات التخزين المركزي، والاستمرار بتجميد إصدار رخص لمحطات تعبئة غاز جديدة. كما تؤكد النتائج على ضرورة تحسين إجراءات السلامة العامة والاستثمار في تقنيات السلامة المتقدمة وتوحيد إجراءات السلامة العامة في جميع المحطات. بالإضافة إلى ذلك يجب ضمان توزيع جغرافي عادل لمحطات الغاز على أساس الكثافة السكانية والطلب، وإنشاء قنوات اتصال شفافة بين الجهات الحكومية وأصحاب المحطات لتسهيل حل المشكلات واتخاذ القرارات بكفاءة.

مرفقات
سوق الغاز في فلسطين : الواقع والتحديات