حوكمة المساعدات المقدمة لفلسطين بعد الحرب على غزة - ملخص سياساتي (4)
تسبب الدمار الشامل في قطاع غزة، والمتواصل منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى اليوم، بأزمة إنسانية مهولة غير مسبوقة. فالاحتياجات الإنسانية بعد الحرب، المتفاقمة أصلاً قبل الحرب، تفوق أي تصور. حيث سيكون من الضروري توفير المساعدات الغذائية لسكان القطاع كافة، خاصة لمعالجة حالات سوء التغذية المتفشية بين الأطفال، إلى جانب ضرورة تأمين الوصول الفوري إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي لهم. كذلك هناك حاجة عاجلة لتوفير مأوى مؤقت لائق لنحو 1.7 مليون نازح من سكان القطاع الذين فقدوا منازلهم، ومرافق طبية مؤقتة ورعاية طبية متخصصة للجرحى، وبرامج دعم مدى الحياة لمن أصيبوا بإعاقات دائمة، وبرامج علاج متخصصة طويلة المدى لمعالجة الصدمات الجماعية. وعلى المدى القريب، لا بد من إيجاد حلول تعليمية مبتكرة لأطفال غزة البالغ عددهم 625 ألف طفل في سن الدراسة ولأكثر من 90 ألف طالب جامعي. وسيكون توفير برامج للمساعدات المالية، بما في ذلك برامج النقد مقابل العمل وبرامج الدخل الأساسي الشامل، تدخلا حاسما لحماية السكان من الفقر المدقع وإعدادهم لرحلة التعافي. ولا بد من تنفيذ هذه التدابير الإغاثية العاجلة قبل البدء في مرحلة التعافي أو إعادة الإعمار بشكل جدي.
كشفت هذه الأزمة التي طال أمدها عن المأزق الأخلاقي والبيروقراطي والعملياتي الذي تواجهه عملية تقديم المساعدات إلى فلسطين، وخاصة لقطاع غزة. فبينما تتجاوز المنظومة الإنسانية الدولية القيادة الفلسطينية إلى حد كبير بسبب الانقسام السياسي، إلا إنها مستعدة في كثير من الأحيان للخضوع لشروط إسرائيل المتجبرة وغير المنتهة المتعلقة بإيصال المساعدات. وكان هذا واضحاً في تمكين منظمات صغيرة غير معروفة، مثل المطبخ المركزي العالمي الذي عقد شراكة مع كيانات إسرائيلية، من دخول القطاع، ومنع دخول مقدمي المساعدات المحليين المتواجدين من زمن طويل، مثل الأونروا. وكانت الإخفاقات الأخلاقية واضحة أيضاً عندما قامت الدول المانحة بعمليات إنزال جوي للمساعدات أكثر تكلفة وأقل فعالية، وفي بعض الأحيان مميتة، بدلاً من الوقوف في وجه القرارات الإسرائيلية بإغلاق الحدود البرية، لأسباب إنسانية. وأخيراً، كان الرصيف والممر البحري المثير للجدل الذي أنشأته حكومة الولايات المتحدة في غزة بتكلفة 230 مليون دولار، بحجة إيصال المساعدات الإنسانية، وسيلة لصرف النظر عن انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل، والذي استند إلى مفهوم فاشل لتدخلات المقاولين العسكريين والعاملين في القطاعات غير الإنسانية وفاعلون جدد في قطاع المساعدات.
جاء اليوم الذي يفترض فيه إحداث تحول في إدارة المساعدات المقدمة لفلسطين، يتيح للفلسطينيين أن يضعوا الخطط بأنفسهم لتعافي بلادهم وتنميتهما. وهذا التحول ليس مجرد مطلب لإشراكهم بقدر ما هو دعوة لتحقيق العدالة وثبات وإصرار على المبادئ المعترف بها دوليا لتقديم المساعدات بشكل فعال ومسؤول. يتعلق الأمر بإدراك أن أولئك الذين يتحملون المصاعب، هم الأقدر على فهمها ومعالجتها، وضمان ألا تستخدم المساعدات كوسيلة لفرض الأولويات الخارجية، بل كآلية لتمكين الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم إلى السلام والاستقرار والازدهار في الحقيقة.
إن ملكية الفلسطينيين لإدارة المساعدات تعني قيادة الحوار حول الإدارة الفعالة للمساعدات، وأن أي مبادرات للمساعدات يجب أن يتم تصميمها وتنفيذها من قبل أولئك الذين يفهمون المشهد المحلي، والذين يمكنهم رؤية ما هو أبعد من الإغاثة الفورية إلى تعزيز القدرة على الصمود على المدى الطويل، ولديهم التزام بتمكين مجتمعاتهم. بكلمات أخرى، ذلك يعني أن تصميم المساعدات وتنسيقها لا يتم في مكاتب وغرف اجتماعات بعيدة، بل يقودها من يعيشها في الميدان.
هذه المبادئ ليست مفاهيم مثالية، لكنها مبادئ أساسية لتعزيز كفاءة تقديم المساعدات كما نص عليها الإطار المفاهيمي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بشأن المساعدات، والتي تؤكد على أهمية ملكية البلد المستفيد، والمواءمة مع أولوياته الوطنية، والشراكة الحقيقية بين البلد المستفيد والبلد المانح. كما تدعو لمنح البلدان النامية حق وضع استراتيجياتها التنموية الخاصة وتطالب الجهات المانحة بدعم هذه الاستراتيجيات وإيجاد توافق بشأنها. كما أن المناهج والمبادئ الأخرى، مثل نهج الترابط الثلاثي، تعزز أهمية إشراك الدول المستفيدة فضلا عن الترابط بين الجهود الإنسانية والتنموية ومساعي بناء السلام.