معهد ماس يشارك في فعالية جانبية حول ضمان السيولة والاستقرار في ظلّ الأزمة المالية في الأرض الفلسطينية المحتلّة ضمن الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة
شارك رجا خالدي، المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، يوم الأربعاء، 17 أيلول/سبتمبر 2025، في جلسةٍ حوارية بعنوان «الأزمة المالية في الأرض الفلسطينية المحتلة: صون السيولة والاستقرار». وقد نُظّمت الفعالية الجانبية ضمن إطار الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA 80) المنعقدة في نيويورك، وفي سياق مؤتمرٍ حول فلسطين الأسبوع المقبل.
انعقدت المناقشة برئاسةٍ مشتركة من شبكة العمل الخيري والأمن (C&SN)، والبعثة الدائمة لكولومبيا لدى الأمم المتحدة، والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان البروفيسور بن سول، وأوكسفام الدولية، ومجموعة عمل المنظمات غير الحكومية التابعة للأمم المتحدة بشأن إسرائيل–فلسطين. وجمعت الفعالية دولاً أعضاء في الأمم المتحدة، ووكالاتٍ أممية، وخبراء ماليين واقتصاديين، وفاعلين إنسانيين وتنمويين يعملون ضمن فريق عملٍ يرتبط بآلية «مؤتمر فلسطين».
انضمّ الخالدي إلى جلسةٍ ضمّت ممثلين عن الأمم المتحدة ومنظماتٍ دولية غير حكومية، وتركّزت على إجراءاتٍ عمليّة لتعزيز السيولة والاستقرار المالي في فلسطين. وهدفت المناقشة إلى بحث سُبل ترجمة الالتزامات الدولية السابقة إلى مسارٍ مُحكمٍ تقنياً وواقعيٍ سياسياً للمضيّ قُدماً، بما يصون السيولة، ويُعيد بناء البنية التحتية المالية، ويضمن قابليّة قيام دولةٍ فلسطينية للحياة.
فيما يلي نصّ مداخلة السيد خالدي أمام الجلسة:
أ. حقائق الأزمة والأثر الكلّيّ
لم يعد ثمة «اقتصاد كليّ» فلسطيني يُمكن الحديث عنه؛ وإنْ كان قد وُجدَ افتراضياً قبل عام 2023 في تفكيرنا وإحصاءاتنا وتخطيطنا. ففي الواقع، بدأ تقطيع أوصال «الاقتصاد الوطني» الفلسطيني قبل عشرين عاماً، مع الانقسام الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وعزل القدس الشرقية خلف جدار الفصل، وتسارع تحوّل الضفة إلى أرخبيلٍ غير مترابط من الجيوب وسط مشروع استيطاني إسرائيلي يغطّي 60% من مساحتها.
ومع أنّ السلطة الفلسطينية لا تزال تضطلع بدور سلطةٍ حكمٍ ذاتي بحكم الأمر الواقع، تُدير اقتصاد وخدمات أساسيّة لنحو خمسة ملايين فلسطينيّ من دون ولايةٍ جغرافيةٍ مُعرّفة، إلّا أنّ حيزها المالي الأدنى قد تآكل على مدار الحرب. كما يتعرّض دورها كـ«مُشغّل الملاذ الأخير»، وشرعيّتها القانونية والأمنية، لتآكلٍ مستمرّ.
على أنّ القطاع المالي، بالمقابل، ظلّ سليماً ومتوافقاً مع المعايير المصرفية والنقدية الدولية، ومثّل صمّام أمان للأُسر تحت الضغط المالي وملاذاً آمناً لرأس المال الفلسطيني في زمن الحرب. وقد أسهم أيضاً في تدعيم المالية العامّة وكبح لحظات الهلع السوقيّ المرتبطة بالسيولة والمخاوف المصرفية… وهو إنجازٌ ليس بالهيّن، رغم انحصار قدرته على العمل في غزة في الخدمات المصرفية الرقمية التي لا يستطيع الوصول إليها إلا أقلية من السكان.
إنّ التشوّهات البنيوية العميقة في «الاقتصاد الكلّي» الفلسطيني، التي حرمته أيّ مساحةٍ لصنع السياسات الاقتصادية، تجعل أزمة السيولة الحالية—التي عرضها المتحدثون قبلي بتفاصيلها—ليست مجرّد مسألة تتعلّق بإيصال المساعدات أو استقرار الأسواق أو الوساطة المالية؛ بل تتعلّق بالسؤال عمّا إذا كان الاقتصاد الفلسطيني يستطيع أن يعمل أصلاً ويضمن سُبل العيش المُهدّدة.
وبصرف النظر عن الخسائر التي تكبّدها القطاع المصرفي في غزة، وحتميّة شطب نحو مليار دولار من الديون الأسرية وغيرها هناك، يبدو أنّ سلطة النقد الفلسطينية والمصارف عليها دورٌ كبيرٌ ليس فقط في امتصاص صدمات هذه الحرب—التي لم تتوقف بعد—بل كذلك في التعافي وإعادة البناء اللذين لا بدّ أن يأتيا عاجلاً أم آجلاً.
لقد تمكّن القطاع المصرفي الفلسطيني حتى الآن من التعامل مع التحديات الآنية والمستقبلية بأفضل ما يمكن في الظروف السياسية القائمة، غير أنّه لا يُنتظر منه الأداء إذا كانت مكوّنات أخرى من المنظومة المالية معطوبة، ولا سيما الخزينة العامة وتداول العملة بحرية لتمويل التجارة وسائر المعاملات.
إنّ التهديدات الإسرائيلية لهذه القنوات من العلاقات الاقتصادية ستكون حاسمةً خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وبينما وثّقت دراسة مرتقبة لمعهد ماس كيف أنّ إسرائيل انتهكت عملياً كل مواد بروتوكول باريس الاقتصادي تقريباً، فإنّ المواد الوحيدة التي لم تُلغَ فعلياً بإجراءاتٍ أحاديةٍ حتى الآن هي تلك الخاصة بالعلاقات النقدية والمصرفية. ومن زاوية نظر وزير ماليةٍ إسرائيليّ عازمٍ على إسقاط السلطة الفلسطينية والاقتصاد الفلسطيني معها، فإنّ الساعة تدقّ.
ذلك هو التحدّي السياسي المطروح اليوم أمام أنصار «إعلان نيويورك» وأيّ «عملية سلام» جديدة قد يبشّر بها.
ب. توصيات سياسات قابلة للتنفيذ مرتبطة بالتزامات «إعلان نيويورك»
كما أقرت وثيقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنّ دولةً فلسطينية قابلةً للحياة اقتصادياً تتطلّب قنواتٍ ماليةً مستقرة، وإيراداتٍ متوقّعة، واندماجاً في النظام المالي الدولي. ويقدّم الملحق الاقتصادي طيفاً واسعاً من الإجراءات العاجلة وغير العاجلة على امتداد الاقتصاد الحقيقي والقطاع المالي والحوكمة الاقتصادية والإصلاح. وهذه كثيرةٌ أكثر من أن تُستعرض هنا، وهي بحاجةٍ إلى غربلةٍ صارمة من حيث الإلحاح/الأولوية ومن حيث الجدوى/الكُلفة.
سأركّز على ما أراه الأكثر إلحاحاً وقابليةً للتنفيذ في المناخ الراهن، ضمن الهدف الأوسع القائم على تعزيز الاعتراف بـ**«الوظائف الاقتصادية السيادية»** لدولة فلسطين حتى في خضمّ الحرب:
- المضيّ قُدماً في الالتزام بدمج دولة فلسطين كليّاً في النظام المالي والنقدي الدولي. ويعني ذلك:
- دعم مسارها نحو ترقية وضعها في المؤسسات المالية الدولية (IFIs)،
- السعي إلى صفة عضو مراقب في منظمة التجارة العالمية (WTO)، بما يُقِرّ فلسطين بوصفها «إقليماً جمركياً منفصلاً».
ينبغي ألّا تُفهم هذه الخطوات—ولو كانت أولية—على أنّها مكاسب دبلوماسية فحسب، بل بوصفها مفاتيح للنفاذ إلى التمويل الميسّر وإلى الأسواق.
- توطيد الحيّز المالي الفلسطيني يتجاوز مسألة الإفراج عن عوائد المقاصة المحتجزة، وهي رهينة سياسةٍ حكوميةٍ إسرائيلية غير موجودةٍ اليوم. باختصار، ينبغي أن يترتّب على الاعتراف العالمي صفةُ الاقتراض السيادي لدولة فلسطين. وفي الأثناء، يمكن الشروع في تصميم إطارٍ جديد لتحويلات عائدات المقاصة لمرحلة ما بعد الحرب، تحت إشرافٍ دولي، بما يضمن التنبّؤ ويعزّز الملكيّة الفلسطينية.
- إلى جانب تمويل الإغاثة والتعافي وإعادة الإعمار، تُظهر تجربة العشرين عاماً الماضية مع دعم الموازنة أنّه منزلقٌ خطِر، وإنْ كانت ذاكرة المانحين قصيرة. ولا ينبغي ربط قدرة فلسطين المؤسسية على تنفيذ الإصلاحات والحفاظ على الاستقرار المالي بمثل هذه الترقيعات الموازنية. الأفضل كثيراً هو استعادة القنوات الطبيعية للإيرادات المالية الفلسطينية، وترك الحكومة لتقوم بعملها في تحسين إعداد الموازنة وخفض النفقات… إلخ.
- وفي ما يخصّ استقرار النظام المصرفي، فإنّ الاختبار التالي أمام السيد سموتريتش ومصداقية هذا المسار سيكون: هل ستتمكّن مجموعة السبع ووزارة الخزانة الأميركية مرةً أخرى من إنقاذ الموقف وضمان تمديد الإعفاء الذي يُحصّن المصارف الإسرائيلية عند تعاملها مع نظيراتها الفلسطينية إلى ما بعد تشرين الثاني/نوفمبر 2025.
إذا ركّزنا فقط على تحقيق الالتزامات المذكورة أعلاه، باعتبارها عناصر متكاملة في الحزمة نفسها، فسيكون للأثر التحويلي الناتج ما يُتيح ويُبرّر طيفاً واسعاً من إصلاحات الحوكمة المالية والاقتصادية الخاصة بـالدولة المرتجاة—لا سلطة الحكم الذاتي التي تجاوزها الزمن.