ماس يسلط الضوء على الفقر متعدد الأبعاد في قطاع غزة: ماذا يمكن للسياسات أن تفعل؟
الأربعاء 9 تموز، 2025: عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء الطاولة المستديرة الرابع لهذا العام بعنوان "الفقر متعدد الأبعاد في قطاع غزة: ماذا يمكن للسياسات أن تفعل؟"، بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم. أعدت الورقة الخلفية الباحثة أنمار رفيدي، وقدمت وزيرة التنمية الاجتماعية د. سماح حمد، ، والسيدة سمير حلس من البنك الدولي، والسيدة تشيتوسي نوغوتشي من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي – برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.
افتتح منسق البحوث د. سامح حلاق الجلسة، مؤكداً على أهمية هذه الورقة لا سيما خلال الاوضاع الصعبة التي يعشها الفلسطينيون عامة، وبالأخص في قطاع الحرب مع استمرار الحرب المستمرة نحو أكثر من 20 شهرا هناك.
وفي كلمته الترحيبية أكد المدير العام للمعهد السيد رجا الخالدي على أهمية التواصل المستمر مع الوزارات والمؤسسات الرسمية من أجل إسناد الأداء الحكومي المركزي وتفعيله، لا سيما في القضايا المرتبطة بالعدالة والحماية الاجتماعية. وأشاد الخالدي بخلية الأزمة التي تقودها الوزيرة بجدارة من منطلق فهمها الدقيق للحالة الطارئة التي تواجه فلسطين، وبين أن المعهد يعمل على مجموعة من الأنشطة المرتبطة بشكل مباشر بموضوع الفقر متعدد الأبعاد، وأنه يؤمن بأن مواجهة هذا التحدي يتطلب فهما معمقا للسياقات المختلفة، وتعاونا حقيقيا بين الأطراف كافة. وأضاف أن هذه المساحات الحوارية التي تجمع بين صناع القرار، وممثلي المجتمع المدني، والخبراء، في نقاش شفاف ومسؤول تسهم في تنوير الرأي العام وإشراكه في فهم التحديات وصياغة الحلول، مشددا على أهمية استمرار هذا النهج في العمل العام، كما أشار إلى أن هذه الجلسة تأتي ضمن سلسلة لقاءات ينفذها المعهد بدعم من مؤسسة هينرش بول، والتي تهدف إلى تعميق النقاش حول السياسات الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين.
بدورها أكدت وزيرة التنمية الاجتماعية أن هذا اللقاء يلامس جوهر أولويات عمل الوزارة في ظل الظروف الكارثية الراهنة في القطاع. وأضافت "نحن ننتظر الإعلان الرسمي عن وقف العدوان، حتى نتمكن من الشروع في استعادة الحياة في قطاع غزة، والعمل بشكل أكثر انتظاما ومنهجية في عمليات الإغاثة والتعافي"، وبينت أن وزارة التنمية الاجتماعية تعمل ضمن الإطار الحكومي العام، وقد أطلقت الحكومة غرفة العمليات الطارئة منذ الأيام الأولى للعدوان، وحشدت مختلف الجهود الحكومية ذات العلاقة للاستجابة الإنسانية العاجلة، رغم التدمير الواسع الذي طال كل مناحي الحياة في القطاع. كما شددت على أن مرحلة الإغاثة تُعد من أدق وأهم المراحل.
وفي إطار دعم الأسر الفقيرة في القطاع، أوضحت الوزيرة أن الوزارة تمكنت من توزيع 270 مليون شيقل لصالح أكثر من 170 ألف أسرة في قطاع غزة، عبر المحافظ الإلكترونية، والتي أظهرت فاعلية كبيرة في إيصال الدعم للمستحقين، رغم التحديات، وتابعت "رغم صعوبة الأوضاع، إلا أننا نؤمن أن الحياة قابلة للاستعادة في حال توقف العدوان. وقد أنشأنا 18 مركز إيواء في شمال قطاع غزة، بالإضافة إلى 350 نقطة تعليمية. كما بينت أن الاحتياجات الإنسانية هائلة، وأن آليات الاستهداف لم تتم وفق مؤشرات الفقر متعدد الأبعاد بسبب صعوبة جمع البيانات ميدانيا في هذه المرحلة، مضيفة: "نتفهم أهمية مؤشرات الفقر متعدد الأبعاد، ونأمل أن نتمكن لاحقا من دمجها بشكل أوسع، ولكن حاليا نعمل وفق أولويات الإغاثة المباشرة".
وأكدت الوزيرة أهمية السجل الوطني الاجتماعي باعتباره مرجعية وطنية لدعم الأسر الفلسطينية، مشيرة إلى أن الوزارة مستعدة لتقديم هذا السجل للشركاء، بما يسهم في تحسين دقة الاستهداف. وقالت "نواجه واقعا صعبا، ليس فقط في غزة، بل حتى في الضفة الغربية، حيث هناك أكثر من 50 ألف مواطن هجّروا من بيوتهم".
واختتمت حديثها بالقول "نعمل على توحيد البيانات وتعزيز التنسيق بين جميع الجهات، لأن المرحلة القادمة – مرحلة التعافي – تهمنا كثيراً، وتتطلب جهداً وطنياً وتخطيطاً مشتركاً يراعي كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية".
وفي عرضها للورقة بين رفيدي أن الهدف منها هو تقديم لمحة موجزة عن الفقر متهدد الأبعاد في قطاع غزة لتحفيز النقاش حول واقعه الحالي والتحديات التي تواجه تخفيفه في أعقاب العدوان، وذكرت أنه مع استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع أظهرت البيانات الأخيرة أن الأهداف الإسرائيلية قد بلغت مستويات تدميرية غير مسبوقة، مستهدفة كافة جوانب الحياة للمجتمع الغزي. وبينت أن جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية قد تأثرت مما يعكس على أن يصبح جميع السكان فقراء متعدد الأبعاد لسنوات قادمة.
تشير الورقة أن مؤشر الفقر متعدد الأبعاد الفلسطيني يختلف عن المؤشر العالمي بطريقتين؛ حيث يختلف في كونه نهجاً قائماً على الحقوق، وكذلك في توزيع الأوزان المخصصة للأبعاد والمؤشرات، فبينما تخصص الأوزان بالتساوي في المؤشرات العالمي للفقر متعدد الأبعاد، يخصص المؤشر الفلسطيني 20% من الفقر الكلي للفقر النقدي، والباقي للأبعاد الاجتماعية المتبقية.
كما تظهر الورقة أن هناك تحديات رئيسية لسياسات القضاء على الفقر متعدد الأبعاد؛ أبرزها القياس في ظل الدمار والتحولات الديمغرافية، حيث أدت التحولات الديمغرافية إلى توسع بعض المجموعات الاقتصادية الاجتماعية الهشة مثل الأسر التي ترأسها النساء والأشخاص ذوي الإعاقة، فيما يشكل تمويل تعافي عامين من العدوان تحدياً رئيسياً، فتراجع المساعدات الدولية لفلسطين والأزمة المالية التي تواجهها بعض المنظمات الدولية من القضايا المحورية التي تستدعي النقاش في سياق التمويل، كما أن السلطة الفلسطينية تمر بأزمة مالية متفاقمة أثرت بشكل كبير على قدرتها على توفير الإعانات الاجتماعية ضمن إطار مكافحة الفقر على مدى السنوات الثلاث الماضية.
أخيراً، وبحسب الورقة فإن تداعيات ميزان القوى على جهود تخفيف الفقر متعدد الأبعاد شكل تحدياً رئيسيا للقضاء على الفقر متعدد الأبعاد، فلا يمكن فصل النقاش حول تخفيف معاناة سكان قطاع غزة المحاصرين عن محورية النقاش حول الإطار العام لإفلات إسرائيل من العقاب الدولي، والدور الدولي في دعم سياسات إسرائيل التدميرية. كما تؤكد الأدلة المستمدة من العدوان الحالي على أهمية الأخذ بالوضع الراهن فيما يتعلق باختلال ميزان القوى في جهود تخفيف الفقر متعدد الأبعاد في مرحلة ما بعد العدوان.