المفكر والاقتصادي الفلسطيني الشاهد على المراحل: البروفيسور فضل مصطفى النقيب

04 أيار 2025

 

بقلم: مسيف مسيف/ باحث اقتصادي في معهد "ماس"

في سياق التحضير لمحاضرة يوسف الصايغ التنموية التي يعقدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) كل عام، فإننا نحظى بفرصتين ماسيتين، الأولى، تخليد ذكرى المفكر الاقتصادي الراحل، يوسف الصايغ، والثانية، فرصة لقاء المحاضر، وهو المفكر الاقتصادي الفلسطيني فضل النقيب، والتعرف على هذا الإنسان بما يكتنزه من مخزون واسع من الفكر والمعرفة الاقتصادية والثقافية، والذي يعتبرا مؤرخا وشاهدا على المراحل السياسية والاقتصادية والثقافية للمنطقة العربية وبخاصة سوريا ولبنان وفلسطين، إذ يمكن أن نطلق عليه لقب آخر القوميين العرب الذين تمسكوا بالعروبة وأصالتها وأخلاقها، والذين يدافعون بضراوة عن المصالح العربية- العربية وأهمية وحدتها لمواجهة كافة التحديات الغربية التي عملت وما فتأت تعمل على تفتيت المزيد في المنطقة العربية.

في البداية نعرف هذا المفكر الاقتصادي على أنه فلسطيني من مدينة صفد المحتلة، وأحد ضحايا الاستعمار والتشريد. يعيش حاليا في كندا التي حصل فيها على شهادة الدكتوراة من جامعة كوينز، وعمل أستاذا للاقتصاد في إحدى أرقى جامعاتها، جامعة واترلو، لسنوات عديدة. وقد عمل سابقا كمحاضر لمواد الاقتصاد في عدة جامعات، وهو أيضاً عضو مؤسس لمعهد "ماس" وكذلك باحث ومحرر لنشرته الدورية "المراقب الاقتصادي". بالتزامن مع عمله الأكاديمي في التدريس، أبدع البروفيسور النقيب في مجال البحث الاقتصادي، إذ نشر العديد من الأبحاث الاقتصادية في مجلات علمية محكمة، ونشر عدة دراسات ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية. طالت أبحاثه مجالات عدة، فقد اهتم بشؤون اللاجئين، والتاريخ الاقتصادي الفلسطيني ومشكلات المرحلة الانتقالية وسياسات المستقبل، واستفاض في كتابة الرؤية التنموية الفلسطينية، وأكد على أهمية رأس المال الاجتماعي. وطالت غزارة إنتاجه دراسة العمق الصهيوني من خلال دراساته حول الصهيونية الاقتصادية ودور الاقتصاد في الصراع العربي الإسرائيلي، والاقتصاد الإسرائيلي في إطار المشروع الصهيوني، هذا إلى جانب العديد من الدراسات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها هنا.

من جانب آخر، لم يكتفي النقيب بالكتابة في المجالات الاقتصادية، بل تعدى ذلك الى الكتابات التأريخية التي ترصد النضال الفلسطيني عبر الكتابة عن رموز وأوائل المناضلين والمفكرين الفلسطينيين وبخاصة غسان كنفاني وباسل الكبيسي، وذلك إيمانا منه بأهمية تأريخ النضال الفلسطيني وخلود مناضليه. إذ يعتبر النقيب من الكتاب المميزين الذين كتبوا عن كنفاني حيث أوضح النقيب انسجامه مع رؤية هذا الكاتب الفذ والعملاق الذي استشرف المستقبل الفلسطيني وحذر من تداعيات الانزلاق في سلام وهمي، وحذر من الانزلاق الفلسطيني في سياق الاستسلام العربي.

يمكن القول أن النقيب يختلف عن المثقفين الاقتصاديين الفلسطينيين أو من القلائل الذين يتمسكون بالقومية العربية، إذ أن الرؤية المستقبلية لديه نابعة من البعد القومي والإيمان بالأجيال العربية القادمة وقدرتها على التغيير، ذلك أن رؤيته تعتمد على إحياء الأمة العربية وتوحيدها وتحريرها من الهيمنة الغربية، لذلك نلمس في كتابات النقيب وتحليلاته عن كنفاني وغيره من المناضلين الفلسطينيين ذلك الأمل الكبير بالتغيير، اذا أن النقيب بقي ثابتا على موقفه ولم يبحث في كتاباته عن بدائل لحل القضية الفلسطينية، فالبديل الوحيد بمنظوره هو العمق العربي. ومع قناعته آن ما آلت إليه القضية الفلسطينية بسبب أوسلو هو عبارة عن تحضيرات طويلة الأمد من قبل الهيمنة الغربية وإسرائيل، لذلك فإن أوسلو غير مقبولة في الرؤية النقيبية، حيث يقول "ليس من الضروري أن يقرأ المرء الاستشراق أو الإمبريالية والثقافة من كتب إدوارد سعيد، كي يدرك استحالة قبول أوسلو...". بهذا يؤكد النقيب أن الانتهاك الذي مثله اتفاق أوسلو يتطلب من الفلسطينيين أن يتنازلوا عن حقوقهم المشروعة والأخطر من ذلك أن يشجبوا تاريخهم، وهذه الخطورة تتمثل في تشويه الحقيقة، كل ذلك أشعره بالاختناق والخديعة كباقي المفكرين الفلسطينيين الذي ناضلوا ضد تزييف التاريخ وحرف الحقيقة ودفع البعض منهم حياته ثمنا للدفاع عنها. هذا واضح وجلي من إحدى مقولاته "إننا نفهم غضـــب إدوارد ســـعيد، ومفكري المقاومة مثل غسان كنفاني وناجي العلي، لأننا نشـــعر بوطأة العيش وضيق التنفس والاختناق في ظل هيمنة الكذب، وهذا الشعور بالاختناق الـذي نحســـــــه الآن هو مـا أحســـــــه هؤلاء المفكرين".

فضل مصطفى النقيب شاهد على المراحل بحكم تجربته الغنية ومعرفته المتنوعة، حيث عاصر في طفولته الاحتلال البريطاني، وراقب بشكل حثيث التطورات السياسية والاقتصادية العربية للمنطقة، وبخاصة في سوريا ولبنان وفلسطين، وكذلك عاصر الأحداث في فلسطين. وعلى الرغم من غيابه 48 سنة عن وطنه، إلا أنه لم يشعر بالاغتراب أو الغربة في أول زياره إليها، حيث شاهد كل من جنود الاحتلال البريطاني والصهيوني في المراحل المتعددة والممارسات الاستعمارية لكل منهما، وعززت هذه المشاهدات من رؤيته وتصوره للمستقبل العربي والفلسطيني، وبذلك استطاع أن يكوّن رؤية اقتصادية اجتماعية سياسية أساسها الوعي المعرفي والدراسة الأكاديمية والتجربة الحياتية. فلا نبالغ إذا قلنا بأنه شاهد مميز على المراحل التاريخية المتنوعة للتاريخ النضالي الفلسطيني.

وأخيرا، فإن معهد "ماس" دائما ما يتوخى الدقة في اختيار من يقدم ندوة يوسف الصايغ التنموية السنوية، على أن تكون شخصية متميزة ولها إسهامات علمية ذات علاقة بموضوع المحاضرة. وموضوع الندوة هذه السنة حول " قراءة في حاضر ومستقبل التنمية الاقتصادية في المشرق العربي". لذلك، فإن اختيار البروفيسور فضل النقيب، الخبير والمتمرس في الكتابة عن التنمية والمنطقة العربية وصراعها مع الاحتلال الإسرائيلي، جاء لأنه أفضل من يجسد ويعرض هذا الموضوع ضمن رؤيته التنموية المستقبلية.