خلال مشاركته في مؤتمر إصلاح البنية المالية الدولية: ماس يقترح مسارات لتحقيق الاندماج المتوازن لفلسطين في الاقتصاد العالمي

08 آب 2024

اقترح المدير العام لمعهد "ماس" السيد رجا الخالدي عدة مبادئ أساسية لتحقيق اندماج متوازن لفلسطين مستقبلا في الاقتصاد العالمي خلال بيان ألقاه في "مؤتمر إصلاح البنية المالية الدولية"، والذي نظمته شبكة الرابطة الدولية لاقتصاديات التنمية (IDEAS)، في ريو دي جانيرو، البرازيل بين 7 و9 آب. وكان الخالدي من ضمن الخبراء المتحدثين في جلسة النقاش الخاصة بمناقشة "عواقب الاندماج والإقصاء المالي" في المؤتمر المذكور والذي تم عقده ضمن تحضيرات القمّة الاجتماعية القادمة في البرازيل، بحضور ومشاركة كبار الاقتصاديين وخبراء التنمية من بلدان "الجنوب العالمي". وكانت كلمة الخالدي قد ألقيت عبر فيديو مسجل، نظرا لتعذر مشاركته شخصيا على ضوء ما تمر به فلسطين والمنطقة.

 

وأشار الخالدي في مداخلته إلى أن اقتصاد فلسطين لطالما كان مزيجا غريبا من الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي والاستبعاد من النظام التجاري والمالي المتعدد الأطراف. فقد كان يتم التعامل مع فلسطين على أنها ذات اقتصاد مفتوح عند ضمها، على الرغم من انضوائها تحت مظلة اقتصاد إسرائيل وعلاقاتها التجارية والمالية الدولية، وخضوعها لقواعد وأزمات الاقتصاد العالمي، والتزامات سياسة إجماع واشنطن. ومع ذلك، تم استبعاد فلسطين من المؤسسات الاقتصادية الدولية المتعددة الأطراف ومن حق اللجوء إلى أي شكل من أشكال المساحة السياساتية (النقدية، المالية، الاستثمارية، أو التجارية).

وأوضح أن فلسطين تم دمجها في الاقتصاد العالمي من خلال عدة قنوات:

  • اتحاد جمركي مع إسرائيل، لا يعد سوى اتحاد اقتصادي جزئي ومشوه ومفروض، لا يتيح أي حيّز للسياسة النقدية أو المالية الفلسطينية.
  • الالتزام باقتصاد السوق الحر في العام 1994 (والمنصوص عليه في القانون الأساسي لعام 2004) وجدول أعمال اجتماعي واقتصادي نيوليبرالي، في ظل وجود تشوهات هيكلية في السوق.
  • اتباع سياسة تنموية غير مناسبة أو مجدية أو قابلة للتنفيذ (قائمة على الصادرات وبالتالي اعتماد سياسة الاستيراد المفتوح، دون وجود الكثير من السلع الممكن تصديرها أو القدرة على التصدير)، تتجاهل القاعدة الإنتاجية الصناعية والزراعية، وغير قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية.  

وفي الوقت نفسه، أضاف الخالدي أن استبعاد فلسطين من النظام الاقتصادي المتعدد الأطراف والبنية المالية يعود لطبيعة التزاماتها وارتباطها بالغلاف الجمركي والنظام الاقتصادي الإسرائيلي في ظل اتفاقيات أوسلو\باريس، التي تم الاتفاق على تطبيقها لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات فقط، ولكن تم تمديد العمل بها إلى أجل غير مسمى. إضافة الى أن موقف المجتمع الدولي عقب الانتفاضة الثانية، المتمثل في فرض شروط أمنية ومالية جديدة على فلسطين تهدف لإطالة عملية السلام المتعثرة وغير النزيهة، قد سمح للمجتمع الدولي بحرمان فلسطين من حقها بالسيادة: بذريعة أنها ليست دولة بعد، وأدى لتجاهل طلبات فلسطين للعضوية في المؤسسات الاقتصادية الدولية بسهولة. فذلك يعني أنه لا يمكن لفلسطين اللجوء لأي قوانين أو مبادئ اقتصادية دولية لتسهيل التجارة أو الاقتراض السيادي، باستثناء تلك المفروضة من النظام المالي العالمي على النظام المصرفي الفلسطيني للسيطرة على التدفقات المالية غير المشروعة.

وأكد الخالدي أن العنصر الأساسي المفقود في هذ الاندماج غير المتوازن هو بلا ريب عنصر الحكم السيادي. فبعد 75 عاما من إعلان إسرائيل قيام دولتها السيادية وبناء اقتصادها المنتج والمعتمد على الذات، لا تزال فلسطين محرومة من هذا الحق. وفي الوقت نفسه، اختصرت فلسطين لمجرد ساحة مواجهة مطولة لحملة استعمارية كولونيالية استيطانية تشن من وقت لأخر على مدى عقود، والتي أصبحت أشد ضراوة وقوة واتساعا خلال السنوات الأخيرة، وأكثر وحشية وسفورا في عنصريتها خلال هذه الحرب.

واستطرد الخالدي بالتذكير بأن العالم شهد، على مدار العشر أشهر الماضية، الحرب المروعة التي ترفض إسرائيل إيقافها، وشدد على أن الاقتصاديين ليس بجعبتهم نظريات تقليدية كثيرة لتحليلها، أو منهجيات كثيرة يمكنها قياس آثار هذه الحرب الاجتماعية والاقتصادية. بدلاً من ذلك، قال إن هناك حاجة لمفاهيم جديدة لفهم اقتصاد الإبادة الجماعية. وأوضح أن هذه المفاهيم تشمل الهدف الرئيسي من الحرب الإسرائيلية المتمثل في جعل غزة غير صالحة للحياة، من خلال استراتيجيات تدميرية مبتكرة، وصفها اليوم الباحثون والوكالات الإنسانية وخبراء الأمم المتحدة بمصطلحات عديدة مثل المجاعة كسلاح حرب، وإبادة المساكن (domicide)، واستهداف وإبادة المساحات والأراضي ((spatiocide، وإبادة التعليم والمدارس ((scholasticide، وإبادة المجتمع Sociocide)).        

على ضوء المنعطف التاريخي الحالي، حيث يظل هدف السيادة هدفا استراتيجيا فلسطينيا، اقترح الخالدي وضع برنامج تعاون جنوب-جنوب لتمكين الاندماج الفلسطيني المتوازن في الاقتصاد العالمي وحماية ترابطه الاقتصادي يشتمل على أربع مبادرات حيوية قد تثمر عن تغيرات ملموسة في المشهد السياسي وفي آفاق السلام والعدالة:

  • دعم إنشاء وظائف اقتصادية سيادية تسبق إنشاء الدولة أو الاستقلال أو حتى حل الصراع، بما في ذلك الحدود الجمركية، واتفاقيات التجارة والاستثمار الإقليمية، والاستقلال المالي المحلي الأكبر.
  • فرض العقوبات المالية على إسرائيل رداً على العقاب الجماعي المالي والاقتصادي الذي تمارسه ضد فلسطين.
  • التضامن المالي الدولي: منح دولة فلسطين صفة مقترض سيادي في المؤسسات المالية متعددة الأطراف وبنوك التنمية، لتمكين وصولها إلى التمويل لأغراض التنمية وإعادة الإعمار.
  • العمل سريعا على منح فلسطين صفة عضو مراقب في منظمة التجارة العالمية بصفتها "منطقة جمركية منفصلة".