دخلت كلوديا التاريخ منذ حصولها على جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية في أكتوبر 2023، لتكون ثالث امرأة بالتاريخ تفوز بهذه الجائزة، وأول امرأة تفوز بها بشكل منفرد[1]. تعتبر الدكتورة كلوديا من الاقتصاديات الرائدات في استكشاف مساهمات المرأة في الاقتصاد، إذ حصلت على الجائزة نتيجة لكشفها تعقيدات نتائج سوق عمل المرأة والعوامل الأساسية الكامنة وراء فجوة الأجور بين الجنسين على مدى القرنين الماضيين. كما وتعتبر مؤرخة اقتصادية، وخبيرة اقتصادية في قطاعات العمل والنوع الاجتماعي. وركز عملها على فهم الحاضر بالاستناد إلى الماضي،[2] بحيث يغطي عملها ما يفوق 200 عام من التاريخ الاقتصادي.

 

سلط عمل الدكتورة غولدن الضوء على أن الفجوة الحالية في الأجور بين النساء والرجال لا تعزى فقط إلى التمييز بين الجنسين، وإنما تكمن جذورها في التكلفة العالية المرتبطة بـ "المرونة الزمنية"، أي أن النساء يعملن بمرونة أقل أو أكثر ليتسنى لهن الجمع بين العمل وتكوين أسرة[3]. بينت الدكتورة غولدن في  كتابها الأخير، أن سبب استمرار فجوة الأجور يعود إلى ما يسمى بالوظائف "الجشعة"، أي الوظائف التي تقدم عوائد متزايدة لساعات طويلة وغير مؤكدة مثل الاستشارات، بحيث يتفاعل هذا النوع من الوظائف مع "عقوبة الأمومة"، إذ تميل النساء إلى تخصيص المزيد من الوقت للرعاية، مما يخلق رابطا حاسما بين فجوات الأجور بين الجنسين وبين إنجاب المرأة لطفلها الأول، حيث تبين أن الفجوة بدأت تتسع بعد عام أو عامين من ولادة المرأة لطفلها الأول.[4]

 

من خلال استكشافها لتاريخ عدم المساواة بين الجنسين في سوق العمل على مر العقود، تمكنت من قلب الافتراضات حول العلاقة التاريخية بين الجنسين في سوق العمل، والسياسات والتدخلات اللازمة لتحقيق أكبر قدر من المساواة. كما وبينت أن عملية سد فجوة الأجور بين الجنسين حدثت على فترات متقطعة، لكن توقف تقدمها عام 2005.[5] كذلك كشفت أن تحول الاقتصاد من اقتصاد زراعي إلى صناعي خلال الثورة الصناعية؛ تسبب في إقصاء النساء المتزوجات عن سوق العمل. فالنمو الاقتصادي لم يكن الدافع خلف "تكافؤ الفرص" كما كان يعتقد، بحيث لم تتزايد مشاركة النساء في القوى العاملة إلا في القرن العشرين، مع انتشار وظائف قطاع الخدمات وتطور التعليم الثانوي، من هنا جاءت نتيجة "غولدن الكلاسيكية": أن العلاقة بين حجم الاقتصادات الغربية ومشاركة النساء في قوة العمل على شكل  حرف (U-Sahped Relashionship)

 

عندما يكون الدخل منخفضا للغاية، وبالتزامن مع هيمنة أنواع معينة من الزراعة، تشارك المرأة في القوى العاملة إلى حد كبير، وغالبا ما تكون بلا أجر، بينما تنخفض مشاركتها في القوى العاملة مع ارتفاع الدخل في معظم المجتمعات بسبب توسع السوق أو إدخال تكنولوجيا جديدة، وبالتزامن مع تحسن تعليم النساء وزيادة قيمة وقت المرأة في السوق.

 

اعتبرت الدكتورة غولدن فترة السبعينيات بمثابة فترة "ثورية" لمساهمة المرأة في الاقتصاد، إذ خلال الفترة (1967-1979) ارتفعت نسبة مشاركة النساء- في سن 20 و21 عاما – في سوق العمل من 35% إلى 80%[7]، وذلك بعد المصادقة على حبوب منع الحمل التي مكن توافرها المرأة من التحكم في موعد إنجاب الأطفال، كما وأخرت النساء في الولايات المتحدة الزواج، وأمضين المزيد من السنوات في التعليم، وأحرزن تقدما في سوق العمل.[8]

 

تؤكد أعمال الدكتورة غولدن بمجملها على أهمية فهم الاتجاهات والبيانات التاريخية للاقتصاديين الذين يتصارعون مع الأسئلة المهمة. وتقترح أن حل الفجوات في الأجور بين الجنسين، في هذه المرحلة من التاريخ، ينبغي أن يشمل إصلاحات داخل سوق العمل بدلا من الاعتماد على التدخلات الحكومية، وخاصة التأكيد على الحاجة إلى إعادة هيكلة الوظائف ومكافآتها لتعزيز المرونة الزمنية. وبشكل أكثر تحديدا، يبين عملها أن الفجوة في الأجور بين الجنسين يمكن أن تختفي إذا لم يكن لدى الشركات حافز لمكافأة الأفراد الذين يعملون لساعات طويلة ومحددة بشكل غير متناسب، وهو التغيير الأقل وضوحًا في قطاعات الشركات والمالية والقانونية.

 

تُصنف الدكتورة غولدن التي حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة شيكاغو، ضمن أفضل 10 اقتصاديات مؤثرات على مستوى العالم.[9] بحيث شغلت منصب رئيسة الجمعية الاقتصادية الأمريكية (2013-2014)، ودخلت التاريخ كأول امرأة تُمنح منصبا دائما في قسم الاقتصاد بجامعة هارفارد عام 1989. كما وقامت بإدارة برنامج تطوير الاقتصاد الأمريكي (DAE) في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (NBER) لمدة 28 عاما حتى عام 2017، وأدى ذلك إلى إنتاج أعداد متزايدة من الدراسات في مجالات التاريخ الاقتصادي خلال العقدين الماضيين.[10]

 

[6] يتم الكشف عن العلاقة على شكل حرف U عبر عملية التنمية الاقتصادية وتاريخ الاقتصادات المتقدمة حاليًا. تنخفض مشاركة النساء في القوى العاملة في البداية مع انتقال الإنتاج في الاقتصادات من مستوى الأسرة (الشركات الصغيرة والمزارع الأسرية) إلى السوق الأوسع وإلى تأثير قوي على الدخل. ومع تحسن تعليم المرأة ومع زيادة قيمة الوقت الذي تقضيه في السوق (إضعاف تأثير الدخل وتعزيز تأثير الإحلال)، تعود النساء إلى قوة العمل مدفوعة الأجر.

[10] Ibid