مؤشر السعادة
مؤشر السعادة
Happiness Index
يسود في الأوساط الأكاديمية والسياسية إحساس عام بأن المؤشرات الاقتصادية البحتة، مثل الدخل أو الناتج المحلي الإجمالي للفرد، ليست مقاييساً كافية أو حقيقية للرفاه الاجتماعي. وغالباً ما أكد الاجتماعيون بأن سعادة الفرد لا تقاس فقط بمستوى دخله أو بحياته المادية فحسب. إذ ظل متوسط عدد الأشخاص الذين قالوا بأنهم سعداء في اليابان مثلاً على حاله بين 1958 و1987، على الرغم من أن دخل الفرد الياباني ازداد بمقدار خمسة أضعاف خلال الفترة ذاتها. كذلك فإن نسبة الأمريكيين الذين يقولون بأنهم "سعداء جداً" في حياتهم ظلت على مستوى ثابت، نحو 30%، منذ الخمسينات من القرن الماضي حتى الآن. وتشير دراسات أخرى إلى أن الثروة النسبية، أي دخل أو ثروة الفرد مقارنة بأقرانه، لها أثر أكبر بكثير على سعادة الأفراد من مقدار الثروة المطلق. وتشير العديد من الأبحاث الإسقصائية الى أن الرضا والسعادة تتأثر بعوامل أخرى غير الدخل، أو غير الدخل بعد أن يصل الى مستوى متهاود معين. ومن المؤكد أن أحد أهم العوامل ترتبط بهيكل الأعمار كما يوضح الشكل التالي. يوثق الشكل رأي عينة من نحو 341 ألف أمريكي تم استجوابهم في العام 2008. المحور الأفقي يسجل أعمار أفراد العينة في حين يسجل العمودي تقدير أفراد العينة لدرجة رضاهم وسعادتهم (على سلم من 1-10). واضح من الشكل أن درجة الرضا والسعادة تبدأ بالإنخفاض من العمر 18 سنة وتتابع الهبوط حتى عمر 53 حيث تبدأ بالصعود بعدها، أي أن للمنحني شكل حرف "U".
شكل 1: منحنى الرضا والسعادة له شكل حرف U
مبادرات وضع مؤشر بديل لقيلس السعادة
قام الرئيس الفرنسي ساركوزي في العام 2010 بتبني اقتراح وضعه اثنان من أبرز الاقتصاديين المعاصرين، أمارتيا سن وجوزيف ستجلتج، والاثنان حائزان على جائزة نوبل في الاقتصاد. طالب هذان الاقتصاديان رؤوساء العالم بالتخلي عن المؤشرات الاقتصادية الكمية لقياس رفاه السكان. وطالبا بتقليص أهمية الإنتاج في القياس وإعطاء أهمية أكبر للمؤشرات الإنسانية وللآثار السلبية للتطور والنمو على البيئة. ولقد أعلن الرئيس الفرنسي أنه سوف يسعى إلى وضع مؤشر يقيس سعادة الناس في فرنسا، وأن هذا المؤشر سيكون أكثر دقة من المؤشرات الاقتصادية التقليدية لقياس الرفاه والتطور الاقتصادي.
جاء إعلان الحكومة البريطانية في العام التالي ليدعم هذا التوجه الجديد. إذ أعلنت الحكومة أنها ستطلب من مكتب الإحصاء القومي وضع فهرس/مؤشر دوري يقيس رفاه المواطنين. ولقد قام مكتب رئيس الوزراء بتكليف إحصائي معروف لصياغة الأسئلة التي ستضاف إلى استمارة مسح الأسر في ربيع 2011 لقياس رفاه وسعادة المواطنين. وتقول الحكومة أن المؤشر هذا يمكن أن يصدر بشكل فصلي مثل المؤشرات المعتمدة الأخرى. وسيتم التوصل إلى هذا المؤشر عبر صياغة أسئلة ذات طابع شخصي وذاتي وطرحها على عينة كبيرة من السكان.
ومن الجدير بالإشارة أن مكتب الإحصاء الكندي يقوم بإصدار مؤشر دوري حول رضاء الناس وسعادتهم، ولكن هذا المؤشر لا يحظى باهتمام السياسيين وصانعي السياسات هناك. ويبدو أن الأمر سيكون مغايراً في بريطانيا نظراً لاهتمام رئيس الوزراء البريطاني شخصياً بهذا المؤشر.
السعادة في فلسطين؟
إذن يبدو أننا أخيراً سوف نحصل على مقياس للسعادة، وأن الحكومات سيتم تقييمها ليس فقط على ضوء قدرتها على زيادة الإنتاج ولكن أيضاً على أرضية مساهمتها في زيادة أو تقليص سعادة مواطنيها. ماذا عن "مؤشر للسعادة" في الأراضي الفلسطينية؟ فكرة جيدة، على الرغم من أن هذا المؤشر سيتأثر إلى درجة كبيرة جداً بالاحتلال وممارساته القمعية. لذلك ربما يتوجب علينا انتظار زوال الاحتلال قبل وضع مؤشر لسعادة الفلسطينيين.
(نشرت في المراقب الإقتصادي، العدد 23، سنة 2011).