عدالة توزيع الدخل: منحنى "لورنز" ومعامل "جيني"

عدالة توزيع الدخل: منحنى "لورنز" ومعامل "جيني"

Income Distribution- Lorens Curve and Gini Coefficient

 

كيف يتوزع الدخل الكلي في دولة ما بين المواطنين وهل يتسم التوزيع بالعدالة؟ هذا واحد من أهم الأسئلة في العلوم الاجتماعية، نظراً لأنّ توزيع الدخل هو المؤشر الأبرز عن عدالة السياسة الاقتصادية وعلى فعالية الحركية الاجتماعية في البلاد وعلى الاستقرار والتضامن بين الأفراد وطبقات المجتمع.

هناك طرق إحصائية مختلفة لقياس توزيع الدخل، أبسطها متابعة حصّة أغنى 10% من السكان من الدخل (أو من الثروة) في البلاد. فعلى سبيل المثال، بلغت حصّة أغنى 10% من سكّان الولايات المتحدة نحو 45% من إجمالي الدخل القومي في الفترة 1910-1920. ثمّ هبطت هذه الحصّة إلى نحو 35% في خمسينات القرن الماضي، وعادت وارتفعت إلى ما يقرب من 50% في العقد الأول من القرن الحالي. وهناك أيضا مؤشر 20/20، وهو الذي يقيس حصة أغنى 20% من السكان مقارنة مع حصة أفقر 20% من إجمالي الدخل. ولقد بلغت هذه النسبة 8 أضعاف في الولايات المتحدة و7 أضعاف في المملكة المتحدة مقارنة مع 4 أضعاف فقط في السويد واليابان.

على أنّ الطريقة الأشمل لدراسة توزيع الدخل في المجتمع تتمثل في ما يعرف باسم منحنى لورنز (Lorenz Curve) ومعامل جيني (Gini Coefficient). يصوّر منحنى لورنز على الإحداثي العمودي التوزيع المئوي التراكمي للدخل في بلد ما، بدءاً من 10% (أو 1%) وانتهاءً مع 100%. ويسجل على الاحداثي الأفقي التوزيع المئوي التراكمي للسكان (أنظر الشكل 1). وتمثل كل نقطة على المنحنى الحصّة التراكمية للسكّان من إجمالي الدخل. على سبيل المثال، تقول النقطة (x) على المنحنى أنّ 90% من السكان يحصلون على 65% فقط من الدخل، أي أنّ النسبة المتبقية من السكان (حوالي 10%) تحصل على 35% من إجمالي الدخل.

لاحظ أولاً أنّ الفئات الأفقر في المجتمع تقع على الطرف الأيسر من الاحداثي الأفقي، في حين أغنى 10% من السكان هم في أقصى اليمين. ثانياً، أنّ التوزيع الأمثل (وربما الطوباوي) للدخل هو على امتداد الخط القطري في الشكل 1، أي التوزيع الذي يتطابق فيه منحنى لورنز مع الخط القطري. ذلك لأنّ كل 1% من السكّان يحصلون على 1% من الدخل الكلي على امتداد الخط القطري. على ذلك، يمكن الاستنتاج أنّه كلّما اقترب منحنى لورنز لتوزيع الدخل في بلد ما من الخط القطري كلما كان توزيع الدخل أكثر عدالة في البلد المعني، والعكس بالعكس. وهذا يعني أيضاً أنّ مؤشر عدم العدالة يُقاس بمقدار اتساع المساحة المحصورة بين منحنى لورنز والخط القطري. وهذا تماماً ما يقيسه "معامل جيني" (المعامل = المساحة A / المساحة A+B).

الشكل 1: منحنى لورنز

معامل جيني

تتراوح قيمة معامل جيني بين الصفر (الذي يعبر عن العدالة المطلقة في التوزيع، حيث يتطابق محنى لورنز مع الخط القطري)، وبين الواحد، الذي يعبر عن عدم العدالة المطلقة في التوزيع، حيث تتطابق المساحة ِ Aمع المساحة B ويكون الدخل الكلي من حصة آخر وأغنى 1% من السكان. واضح اذن أن قيمة معامل جيني الواقعية تتراوح بين الصفر والواحد، وكلما تدنت القيمة كلما كان توزيع الدخل أكثر عدالة.

يعرض الجدول 1 قيمة معامل جيني في عدد من الدول، وتتراوح قيمته المعامل بين 0.215 في فنلندا (الأفضل بين 149 دولة في العالم) و0.632 في ليسوتو (ذات توزيع الدخل الأسوء والأكثر لا عدالة بين 145 دولة). وتقدّر الصفحة الإلكترونية لوكالة المخابرات المركزية قيمة معامل جيني في الضفة الغربية في العام 2009 على أنّها 0.345، وهو ما يمنحها المرتبة 98 بين الدول الـ 145.

جدول 1: معامل جيني لتوزيع الدخل في دول مختارة

الرقم المتسلسل

الدولة

سنة التقدير

قيمة المعامل

149

فنلندا

2015

0.215

119

مصر

2008

0.308

110

المملكة المتحدة

2012

0.324

93

الهند

2011

0.352

64

الأردن

2007

0.397

48

إسرائيل

2013

0.428

43

الولايات المتحدة

2007

0.450

 

يعاني معامل جيني لتوزيع الدخل من نقطتي ضعف. أوّلهما، أنّه حسّاس للغاية ويتطلب على ذلك أن يتم حسابه إلى أربعة أو خمسة أرقام عشرية لملاحقة التطورات التي يمكن أن تطرأ على توزيع الدخل بين فترة وأخرى. ثانيهما، وهذا مثلب أهم، أنّ تطابق قيمة المؤشر بين بلدين لا يعني بالضرورة تطابق توزيع الدخل فيهما. ذلك لأنّ حصّة الفقراء من الدخل في الدولة الأولى يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه في الدولة الثانية، ولكن هذا جرى موازنته بتوزيع أكثر عدالة للدخل بين الأغنياء في الدولة الأولى. وبشكل مناظر، فإنّ انخفاض قيمة مؤشر جيني في بلد ما بين فترتين زمنيتين لا يعني بالضرورة أنّ الفقراء باتوا أحسن حالاً، ذلك لأنّ منحنيات لورنز للفترتين يمكن أن تتقاطع معاً ويمكن أن تعكس انخفاضا في حصّة الفقراء من الدخل مقابل تحسنا في توزيع الدخل بين الأغنياء والطبقة الوسطى.

لورنز وجيني في فلسطين

ماذا عن منحنى لورنز ومعامل جيني في الأراضي الفلسطينية؟ لا يتوفر هناك معلومات عن توزيع الدخل في الأراضي الفلسطينية، ولكن الجهاز المركزي للإحصاء يوفر معلومات حول توزيع الاستهلاك بين العائلات في الضفة والقطاع. ومن المعلوم أن العدالة في توزيع الاستهلاك هي دائماً أعلى من العدالة في توزيع الدخل في ذات البلد، ذلك لأن الاستهلاك يأخذ بالاعتبار المساعدات العينية والتحويلات التي تتلقاها العائلات الفقيرة. ولقد قام الجهاز، على ضوء مسح إنفاق واستهلاك الأسر 2011، باستخلاص منحنى لورنز وحساب معامل جيني لاستهلاك العائلات في الأراضي الفلسطينية.

 

جدول 2: توزيع الاستهلاك الإجمالي بين السكان في فلسطين (2011)

توزيع السكان

أغنى 10%

ثاني أغنى 10%

ثالث غنى 10%

رابع أغنى 10%

الفئة الخامسة

الفئة السادسة

الفئة السابعة

الفئة الثامنة

الفئة التاسعة

أفقر 10%

الحصة من الاستهلاك %

21.3

14.0

12.2

10.2

9.6

8.3

7.6

6.5

5.8

4.4

 

تم التوصل إلى توزيع الاستهل7اك في الأراضي الفلسطينية من خلال عينة بلغ عددها 4,317 عائلة (65% منها في الضفة الغربية والباقي في قطاع غزة)، بمتوسط 6 أفراد في كل عائلة (5.6 في الضفة الغربية و6.6 في قطاع غزة). ويستدل من الجدول 2 أن استهلاك الفرد في أغنى 10% من العائلات الفلسطينية يعادل 4.8 ضعف استهلاك الفرد في أفقر 10% من العائلات، كما أن أغنى 20% من العائلات تستهلك أكثر من ثلث إجمالي الاستهلاك في فلسطين.

 

يصور الشكل 2 "منحنى لورنز" لتوزيع الاستهلاك في الأراضي الفلسطينية في العام 2011 في كل من الضفة والقطاع. ويوضح الشكل أن منحنى لورنز لقطاع غزة أقرب إلى الخط القطري من منحني الضفة الغربية، أي أن توزيع الدخل في القطاع أكثر عدالة من التوزيع في الضفة. وينعكس هذا في قيمة معامل جيني الأدنى في القطاع (0.34) مقارنة بالضفة (0.39). هذا واحد من المؤشرات الاقتصادية النادرة التي تعكس وضعا أفضل في غزة منه في الضفة، ولكنه يعكس للأسف التساوي في الفقر في القطاع الى جانب أثر المعونات الغذائية العينية الواسعة نسبياً في القطاع وهو ما يقلل من التفاوت في الاستهلاك بين العائلات.

 

شكل 2: منحنى لورنز لتوزيع الاستهلاك في الضفة الغربية وقطاع غزة، 2011

(نشرت في المراقب الإقتصادي، العدد 50، سنة 2017).