العجز المزدوج وفجوة الموارد
العجز المزدوج وفجوة الموارد
The Twin-Deficit and Resource Gap
"العجز المزدوج" في الإقتصاد هو العجز الثنائي الذي يتحقق في الموازنة الحكومية (فائض الإنفاق العام على دخل الحكومة) وفي الميزان الجاري لميزان المدفوعات. ويمكن التوصل بسهولة، انطلاقاً من معادلات الحسابات القومية في الاقتصاد، إلى أنّ هناك علاقة طردية بين عجز الموازنة الحكومية وعجز الميزان الجاري. أي أنّ الزيادة في عجز الموازنة (في ظل فرضيات معينة) يترافق مع الارتفاع في العجز الخارجي، والعكس بالعكس.
تقودنا معادلات الحسابات القومية الى المتطابقة التالية:
عجز الميزان الجاري لميزان المدفوعات= عجز الادخار (أي الفرق بين الادخار والاستثمار).
ويمكن اعادة كتابة هذه المتطابقة كالتالي:
(الصادرات + صافي دخل عوامل الإنتاج والتحويلات من الخارج) - الواردات = الادخار- الاستثمار
ونظراً لأنّ الادخار في الاقتصاد يتكون من ادخار خاص وادخار حكومي، وأنّ عجز موازنة الحكومة هو بمثابة ادخار سالب، فإنّ المتطابقة السابقة تقود إلى مفهوم "العجز المزدوج": ارتفاع عجز الموازنة الحكومية يقود الى ارتفاع العجز الخارجي، أي عجز الميزان الجاري في ميزان المدفوعات.
تقترح بعض الدراسات، انطلاقاً من العلاقة التعريفية السابقة، وجود علاقة سببية مباشرة بين عجز الموازنة والعجز في الميزان الجاري (أي في فائض الاستيراد على قيمة الصادرات وصافي تدفّق الدخل من العمل والتحويلات الخارجية). وبالتالي فإنّ الطريق للقضاء على العجز الخارجي يقتضي أولا القضاء على عجز الموازنة العامة. وعلى أرضية هذه العلاقة المباشرة قامت عدة جهات دولية بتكرار التوصية للحكومة الفلسطينية بأن الطريق الى تقليص العجز المتزايد في الميزان الجاري يمر ويتطلب تقليص عجز الموازنة (تقليص الإنفاق العام وتحسين الجباية) أولا.
تحاجج دراسة نشرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) بعنوان "عجز مزدوج أم فجوة موارد مفروضة؟" ضد فكرة وجودة علاقة سببية بين عجز الموازنة والعجز الخارجي في الاقتصاد الفلسطيني. وتؤكد، بعد التمحيص في الأرقام، أنّ العجز الخارجي في الاقتصاد الفلسطيني لم يبد أي رد فعل تجاه التبدل في عجز الموازنة في أية فترة خلال 1968-2014. وعلى ذلك فإنّ المشورة السياساتية التي توصي بتقليص عجز الموازنة، كأداة لتقليص عجز الميزان الجاري، هي مشورة غير حكيمة وغير مجدية. ذلك لأنّ تقليص عجز الموازنة، ضمن الظروف الراهنة، سيؤدي إلى زيادة البطالة وليس إلى تقليص العجز الخارجي.
وعوضاً عن ادّعاء وجود علاقة سببية تقترح دراسة الاونكتاد أنّ عجزي الموازنة والميزان الجاري، اللذان باتا مظهران مزمنان للاقتصاد الفلسطيني، هما نتيجة بنية اقتصادية فرضها الاحتلال الإسرائيلي، وأنّهما من عوارض "فجوة الموارد" التي يعاني منها الاقتصاد. وفجوة الموارد هذه تتبدى في عجز مزمن في ثلاثة موازين مترابطة: عجز الميزان التجاري (فائض الاستيراد على التصدير)، وعجز الادخار المحلي (فائض الاستثمار على الادخار) وعجز الموازنة الحكومية. وبلغت أوجه العجز الثلاثة هذه، كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني خلال 2010-2014، نحو 40% و33% و8% على التوالي.
تقترح الدراسة أنّ فجوة الموارد في الاقتصاد الفلسطيني جاءت نتيجة التوسع في طاقة الاستهلاك والطلب بأكثر من التوسع في طاقة الإنتاج المحلي. وأنّ توسع طاقة الطلب هذه جاءت بدورها نتيجة فتح سوق العمل الإسرائيلي أمام العمال الفلسطينيين، بالتوازي مع فرض قيود صارمة على نمو الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي. ويتوصل التحليل إلى أنّ القضاء على فجوة الموارد يتطلب إعادة تأهيل الطاقة الإنتاجية المحلية وخلق الشروط لتوسعها بهدف تقليص الفرق بين الدخل الكلي الذي يحرزه الفلسطينيون والدخل الذي يتم توليده من الإنتاج المحلي (أي تقليص دخل العمال والتحويلات من الخارج بالنسبة للدخل المولّد محليا). كما يتطلب تقليص الفرق بين عدد القوى العاملة الفلسطينية وعدد الأشخاص العاملين في الاقتصاد المحلي من جهة ثانية (أي زيادة نسبة العاملين في الإقتصاد المحلي من اجمالي العمالة). كما تؤكد أنّ تحقيق هذين الهدفين معاً أمر مهم، نظراً لأنّ تقليص فارق الدخل (بين الإجمالي والمتحقق من المصادر المحلية) لا يسير دائماً بشكل تلقائي مع تقليص الفارق في عدد العمال (بين اجمالي عدد العاملين والعاملين في الاقتصاد المحلي).
(نشرت في المراقب الإقتصادي ا لعدد 49، سنة الإصدار 2017)