التأثيرات الاقتصادية لنقص العمالة في بعض القطاعات الحيوية في السوق المحلي - طاولة مستديرة 3
شهدت العمالة الفلسطينية في إسرائيل ارتفاعا مضطردا خال العقد الماضي، لترتفع من 78 ألف عامل في العام 2010 إلى 193 ألف عامل مع نهاية العام 2022 ، أي نحو 17 % من القوى العاملة في فلسطين و 23 % من إجمالي العاملين في الضفة الغربية )الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2023 أ(. كما أسهمت التحويات الخاصة بهم خال العام 2020 بنحو 13 % من الدخل القومي الفلسطيني )أو ما يعادل 2.4 مليار دولار( )الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2023 ب( لأهداف سياسية واقتصادية، قامت إسرائيل بزيادة حصص تصاريح العمل الممنوحة للفلسطينيين، واستحداث
حصص في قطاعات لم تحظ بأي حصة في السابق، مثل قطاع التكنولوجيا المتقدمة، القطاع الصحي )ممرضون وأطباء(، كما سمحت منذ بداية العام 2021 بدخول العمال من قطاع غزة، وأدخلت تغييرات في نظام إصدار التصاريح، وآليات الدفع للعمال.
أدى ارتفاع عدد العاملين في إسرائيل إلى نشوء ظاهرة مقلقة في سوق العمل الفلسطيني خاصة خال الأعوام القليلة الماضية، وتمثلت هذه الظاهرة بنقص وشح في العمالة في قطاعات معينة داخل الاقتصاد المحلي، وذلك رغم الارتفاع الكبير في نسب البطالة التي وصلت إلى 24.4 % عام 2022 )حوالي 13 % في الضفة الغربية( )الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2023 أ(. وهو ما أثار نقاشا كبيرا لدى أصحاب العلاقة في مختلف القطاعات الاقتصادية المتضررة ولدى الخبراء الاقتصاديين والجهات الحكومية في تشخيص مدى انتشار هذه الظاهرة وتأثيراتها على سوق العمل
الفلسطيني وعلى الاقتصاد بشكل عام. فقد صرح رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد اشتية مؤخرا إلى وجود نقص في الأيدي العاملة في السوق المحلية، وهو ما أكد عليه المجلس التنسيقي للقطاع الخاص الفلسطيني حول وجود هذه الظاهرة، ومعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس، 2022 أ).
بالإضافة إلى التسهيلات التي قامت بها إسرائيل، رغم المعاناة التي يكابدها العمال على المعابر في التنقل اليومي من الضفة الغربية وقطاع غزة للعمل داخل إسرائيل، فإن أحد الأسباب الرئيسية لتوجه العمالة الفلسطينية إلى سوق العمل الإسرائيلي )خاصة العمالة الماهرة( يعود لفرق الأجور الكبير هناك مقارنة بمستوى الأجور في السوق المحلي.
في الوقت ذاته، شكلت هذه الظاهرة أيضا عامل ضغط باتجاه رفع الأجور المحلية دون أن يصاحب ذلك ارتفاع في إنتاجية العامل، مما انعكس على ارتفاع تكلفة الإنتاج في السوق المحلي، والذي له تداعيات على ارتفاع أسعار المنتجات المحلية، مما يضعف من قدراتها التنافسية محليا ودوليا.
لذلك جاءت هذه الورقة لتسليط الضوء على حجم وأسباب ظاهرة نقص العمالة في بعض القطاعات الحيوية محليا وعلاقة ذلك بجانبي العرض والطلب على العمالة، وتأثيراتها على سوق العمل الفلسطيني والاقتصاد المحلي، ومن ثم سنناقش مجموعة من التدخات والحلول الممكنة لهذه الظاهرة بغرض الحد من تأثيراتها السلبية على الاقتصاد المحلي.