جلسة طاولة مستديرة (7) خيارات وتحديات تمويل التنمية في فلسطين بين مؤسسات التمويل الصغير وبنوك التنمية

الكاتب: معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)
السنة: 2021

تواجه التنمية في فلسطين تحديات كبيرة بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها الأراضي الفلسطينية بسبب سياسة الاحتلال الإسرائيلي، وتحكمها بمفاصل الاقتصاد الفلسطيني.  يعتبر نقص التمويل الموجه للتنمية، وبشكل خاص التمويل الصغير للفئات والمناطق الفقيرة المهمشة، من أبرز التحديات التي تواجه تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في فلسطين.  فعلى الرغم من النمو المطّرد في قطاع التمويل الصغير خلال العقد الأخير، فإن التقديرات تشير إلى أنه لا تزال هنالك شريحة واسعة من السكان في فلسطين غير قادرة على الوصول إلى الخدمات المالية التجارية، وما زالت احتياجاتها غير مغطاة من قبل مؤسسات التمويل الصغير.  فهناك ما بين 330-430 ألف مقترض محتمل في السوق، كما قدرت الفجوة المالية المحتملة في السوق ما بين 630-900 مليون دولار (مؤسسة التمويل الدولية، 2017).  من جهة أخرى، تعمل مؤسسات التمويل الصغير في قطاع بالغ الأهمية، وبخاصة من حيث الفئات والمشاريع المستهدفة التي أنشئت لخدمتها، والتي تتركز في الفقراء والمهمشين وذوي الدخل المنخفض، والمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.

 

بدأت مؤسسات التمويل الصغير العمل في فلسطين خلال فترة الثمانينيات من القرن العشرين على شكل مؤسسات غير حكومية، من أجل سد فجوة التمويل الكبيرة التي سببها منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لأنشطة القطاع المصرفي الفلسطيني.  لعبت هذه المؤسسات في حينها دوراً مهمّاً في تشجيع الإنتاج والتشغيل ومحاربة الفقر وتحفيز التنمية (دودين، 2013)، وكان أغلبها يتلقى الدعم من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية من أجل توفير خدمات التمويل الصغير للفئات الفقيرة والمهمشة.  مع قيام السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو العام 1993، تم إضفاء الطابع الرسمي على قطاع التمويل الصغير في فلسطين، ما شجع عدداً متزايداً من المؤسسات للدخول إلى هذا القطاع، وسمح بإنشاء برامج إقراض صغيرة ممنهجة ومستدامة.  على سبيل المثال، ارتفع عـدد العملاء النشـطين فـي قطـاع التمويـل الأصغر إلى أكثـر مـن الضعـف (مـن 37-83 ألـف عميـل) بين الأعوام 2011 إلى 2018؛ وزاد عـدد فروع مؤسسات التمويل مـن 60 إلى 107 فروع؛ ونمـت المحفظـة المالية لهـذا القطـاع مـن 60 مليـون دولار إلى حوالـي 270 مليـون دولار.

 

خلال العقد الأخير، ومع ازدياد الطلب على التمويل الصغير من قبل العديد من الفئات المهمّشة والفقيرة، واتساع عدد مؤسسات الإقراض ومؤسسات تمويل التنمية الأخرى التي سجلت كجمعيات غير حكومية أو مؤسسات دولية، والتنوع في الخدمات المالية التي تقدمها، زاد الاهتمام لدى صانعي القرار بتنظيم هذا القطاع، وتطوير الإطار القانوني الخاص به؛ من أجل مساعدته على النمو والتوسع، وحماية حقوق والتزامات المتعاقدين فيه، حيث أصدرت الحكومة الفلسطينية عدداً من القوانين والتعليمات من خلال إشراف سلطة النقد على تنظيم عمل مؤسسات التمويل الصغير.  ترى سلطة النقد في فلسطين أن وجود قطاع تمويل أصغر في فلسطين من شأنه أن يساعد الفئات المهمشة، التي لا تستطيع الحصول على مصادر مالية من خلال البنوك، على الوصول إلى مصادر التمويل بشروط مناسبة، من أجل تنمية أنشطتهم الاقتصادية، وبالتالي مجتمعاتهم المحلية.

 

أدت هذه اللوائح والقوانين إلى العديد من التغييرات على القطاع، أبرزها انخفاض عدد المؤسسات التي تقدم خدمات التمويل الصغير، وبخاصة بعد فرض وزارة الاقتصاد حداً أدنى لرأس المال فيمته 5 ملايين دولار لشركات التمويل الصغير الربحية، وحداً أدنى قيمته 5 ملايين دولار كمتطلبات حقوق ملكية في حال شركات التمويل الصغير غير الربحية.  فعلى سبيل المثال، نتيجة لهذا القرار، خرجت من سوق التمويل الصغير كل من جمعية الشبان المسيحية، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية.  في المقابل، شجعت اللوائح والقوانين عدداً آخرَ من المؤسسات على إنشاء برامج للإقراض الصغير، والدخول إلى هذا القطاع الواعد، حيث تأسست في العام 2013، على سبيل المثال، شركة "الإبداع" للتمويل المتناهي الصغر (بوساطة برنامج الخليج العربي للتنمية-أجفند) التي سرعان ما أصبحت من اللاعبين الأساسيين في هذا القطاع.  تضاعف عدد العملاء من 37000 العام 2011 إلى 87000 العام 2016 (ICF, 2017).

 

وعلى الرغم من تطور مؤسسات التمويل الصغير الفلسطينية، وتوسع عملها، وارتفاع حجم الطلب في سوقها، فإنها ما زالت تواجه تحديات متنوعة، وبخاصة في ظل الحرية المطلقة لقوى السوق، وصعوبة تنظيمها، بسبب غياب السيادة والرؤية التنموية الشاملة المناسبة للحالة الفلسطينية.  إضافة إلى هذه التحديات، جاء قرار الحكومة بتأسيس "بنك الاستقلال للاستثمار والتنمية"، ليكون الذراع الحكومية في تمويل التنمية من خلال النموذج العالمي المعروف بـ"المصارف العامة".[1]  في بداية العام 2021، أصدرت الحكومة قراراً بقانون رقم (5) للعام 2021 لإنشاء بنك تنمية حكومي باسم بنك الاستقلال للتنمية والاستثمار برأسمال حكومي، من أجل المساهمة في تعزيز التنمية ومحاربة الفقر، وبخاصة بعد التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا، والفجوة الكبيرة في التمويل التنموي في فلسطين.

 

تؤكد الدراسات على أهمية مثل هذا البنك في تعزيز التنمية، ولكن ذلك يتطلب تحقيق عدد من الشروط، أبرزها التفويض الواضح لضمان إمكانية التقييم وتحقيق الأهداف.  هذا بكل تأكيد يؤثر على الدور التنموي الذي من الممكن أن تلعبه مؤسسات التمويل الصغير، وعلى جهود تحفيز التنمية ومحاربة الفقر، وتقليل مستويات التهميش.  أي هناك فرصة كبيرة لنمو قطاع التمويل الصغير، وإمكانية لعبه دوراً أكبر في مجال تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في فلسطين، ولكن ذلك يتطلب اتّخاذ الإجراءات والسياسات المناسبة من مختلف الجهات ذات العلاقة، فيما يتعلق بالمنافسة مع تلك المؤسسات التجارية.

D.

تحميل الملف