جلسة طاولة مستديرة رقم (4) آفاق تعزيز الترابط بين الإقتصاد الفلسطيني والفلسطينيين داخل الخط الأخضر
قبل نكبة العام 1948، كان الفلسطينيون داخل الخط الأخضر جزءاً متجانسا من نسيج المجتمع الفلسطيني، وجزءاً أساسياً في النشاط الاقتصادي الفلسطيني، خاصة في مدن الساحل الفلسطيني مثل حيفا، ويافا، وعكا. كانت مدينة حيفا مركزاً للنشاطات الاقتصادية والتجارية، حيث جذبت الآلاف من العاملين من مختلف مدن فلسطين التاريخية، كما كانت مدينة نابلس مركزاً تجارياً وإدارياً للبلدات، والقرى العربية الداخلية البعيدة عن الساحل الفلسطيني.
بعد النكبة، وجد الفلسطينيون في داخل الخط الاخضر أنفسهم معزولين جغرافياً، واقتصادياً، واجتماعياً عن السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بفعل سياسة الفصل العنصري التي انتهجها الاحتلال الإسرائيلي. بقي السكان الفلسطينيون في الداخل على إثرها على هامش اهتمامات المجتمع الفلسطيني، وعلى هامش تشكلاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وعلى هامش حركته الوطنية. لم يتغير الواقع كثيراً بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 على الرغم من بعض أشكال التواصل بين الفلسطينيين على شقي الخط الأخضر. ساهم توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق اسلو في تسعينات القرن الماضي واعترافها بإسرائيل، بإبعاد جزء كبير من الفلسطينيين العرب في الداخل عن قضيتهم الأم واعتبار ما حدث في أوسلو تخل عنهم، وعن قضيتهم التي ناضلوا من أجلها منذ بدء نشوء الحركة الصهيونية، وهجرة اليهود إلى فلسطين.
شهد العقدان الماضيان- بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية والحراك الجماهيري الفلسطيني في الداخل الذي رافقته ("هبة اكتوبر")، تغيراً على نحو متسارع في حالة التهميش والانفصال عن الترابط بالعمق الفلسطيني التي سبقت مرحلة أوسلو. تلك الحالة التي عانى منها الفلسطينيون الذين باتوا مواطنين لدولة إسرائيل منذ 1948، في سياق محاولات "الأسرلة" لقضاياهم وانكار حقوقهم واهمال تطورهم. حيث بدأت منذ اتفاقات أوسلو التي استثنتهم من المعادلة الفلسطينية-الإسرائيلية وتركتهم لمصيرهم كقضية داخلية إسرائيلية، تنكشف عناصر الهوية السياسية والاجتماعية الذاتية ومسار التنمية المنفصلة الذي سلكوه، ومكامن قوتهم في التطور الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، ومدى تأثيرها على التشكلات المستقبلية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
لا شك أن مشاركة فلسطيني الداخل في الهبة الفلسطينية العامة الأخيرة نصرة للقدس وقطاع غزة، لها أسباب أخرى لا ترتبط باللحظة الحالية. تعزى هذه الأسباب إلى تراكم حالة من الإحباط شملت مختلف جوانب الحياة السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، نتيجة سياسة التهميش والتمييز على أساس الدين والقومية التي انتهجتها دولة إسرائيل خلال الـ 73 سنة الماضية. فرضت هذه الهبة نفسها على الوعي السياسي، والاقتصادي الفلسطيني على طرفي الخط الأخضر. ما يستدعي ضرورة إعادة التفكير في أهمية استغلال الميزان الديموغرافي لصالح الاقتصاد الفلسطيني، من خلال تقوية الروابط الاقتصادية بين مختلف التجمعات الفلسطينية على امتداد فلسطين التاريخية لمواجهة سياسة التمييز التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين بغض النظر عن كونهم مواطنين إسرائيليين أو من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة.
يسعى معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) من خلال إعداد هذه الورقة إلى تسليط الضوء مجدداً على العلاقة الاقتصادية والتجارية بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، خاصة في سياق التطورات الاخيرة، وذلك لقناعة المعهد أن مثل هذه العلاقة من الممكن أن تشكل رافعة اقتصادية تنموية واجتماعية تعزز من صمود الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، وتعزز نضالهم ضد سياسات الفصل العنصري، والاقصاء، والتهميش التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي. تحدد هذه الورقة معالم العلاقة الاقتصادية الفلسطينية مع فلسطينيي الداخل، والتي اقتصرت على الضفة الغربية بعد الانتفاضة الثانية، من خلال عرض التطورات التاريخية للعلاقة الفلسطينية عبر الخط الأخضر، وطبيعتها، وسبل تعزيزها. كما تسلط الضوء على أبرز التحديات والمعيقات التي تعيق التعاون والتكامل الاقتصادي بين الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر، وتعتبر هذه الورقة امتداداً وتحديثاً لتلك التي ناقشها المعهد عام 2017.