ماس يناقش تغير مفهوم العمل بعد جائحة كوفيد-19 في فلسطين: ما مدى استمرارية العمل عن بُعد والعمل الهجين؟
رام الله، الأربعاء، 21 كانون الأول 2022: عقد معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) لقاء طاولة مستديرة بعنوان "تغير مفهوم العمل بعد جائحة كوفيد-19 في فلسطين: ما مدى استمرارية العمل عن بُعد والعمل الهجين؟" بمشاركة مجموعة من المختصين وذوي الخبرة والمهتمين، وجاهياً في مقر المعهد وعبر تقنية الزووم. أعد الورقة الخلفية الباحثة في المعهد وفاء البيطاوي، وقدم كل من السيد عاصم أبو بكر مدير دائرة تنمية الأعمال في وزارة العمل، ود. مهيب أبو لوحة أمين سر مجلس التعليم العالي الفلسطيني في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ود. نضال دويكات نائب رئيس الجامعة لشؤون التخطيط والتطوير والجودة في جامعة النجاح الوطنية، والسيدة عائشة حموضة عضو الأمانة العامة ومنسقة دائرة المرأة والنوع الاجتماعي في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، مداخلاتهم وتعقيباتهم على ورقة النقاش.
افتتح الجلسة المدير العام للمعهد السيد رجا الخالدي وبين أن المعهد يعقد جلسات الطاولة المستديرة الدورية لمناقشة هذه المواضيع باعتبارها أحد الأدوات لاقتراح توصيات سياساتية تفيد في عملية صنع القرار بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني، وبين الخالدي أن هذه الجلسة هي التاسعة والأخيرة من جلسات الطاولة المستديرة التي ينفذها المعهد لهذا العام 2022، وتوجه بالشكر لشركة الاتصالات الفلسطينية (بالتل) على دعمها هذا اللقاء.
ورقة ماس الخلفية
في إطار عرض الورقة، بينت الباحثة البيطاوي أن هناك العديد من الدراسات والمسوح في معظم أنحاء العالم والتي هدفت إلى تقييم تجربة العمل عن بُعد، وتحديد إيجابياتها وسلبياتها، وتحليل التوجه العام لدى المشغلين في قبول استمرار العاملين لديهم في العمل عن بُعد حتى بعد انحسار الوباء. تشير نتائج معظم الدراسات إلى أن تجربة العمل عن بُعد قد سارت بشكل أفضل مما كان متوقعا من قبل المُشغلين، حيث أدت الفوائد المتحققة من العمل عن بُعد إلى قيام العديد من المشغلين في أنحاء العالم بزيادة كبيرة في خطط التوظيف المستقبلية والتي تتضمن العمل عن بُعد أو العمل الهجين.
على الصعيد المحلي، أشارت الباحثة إلى أن جائحة كوفيد-19 تسببت بانعكاسات سلبية على الاقتصاد الفلسطيني الكلي بشكل عام وعلى سوق العمل الفلسطيني بشكل خاص. كما أثّر الوباء على انخفاض عدد ساعات العمل المعتادة، حيث عمل 26.9% من إجمالي العاملين في العام 2020 أقل من عدد الساعات المعتاد. كما انعكس ذلك في وجود تباين كبير بين الجنسين في انخفاض عدد ساعات العمل، حيث زادت نسبة النساء اللواتي يواجهن ساعات عمل مخفضة إلى 62.4% أثناء الوباء مقارنة بنسبة 41.3% للرجال.
وأشارت الباحثة إلى الفوائد المحتملة للعمل عن بُعد في فلسطين، الذي من شأنه أن يترك آثاراً إيجابية على كل من العاملين والشركات، خاصة إذا ما تم تبني استراتيجيات فعالة وطويلة الأمد من قبل الشركات والمؤسسات لإدماج العمل عن بعد ضمن نماذج الأعمال المختلفة، حيث تعمل على تقليل الحاجة إلى التنقل من وإلى مكان العمل، واستقطاب الكفاءات في مختلف أماكن تواجدهم، بالإضافة إلى تقليل الفجوات بين الجنسين في سوق العمل. كذلك فإن العمل عن بعد يعمل على تقليل التكاليف التشغيلية المرتبطة بوجود الموظفين في مكاتبهم، مثل تكاليف الإنارة، والتدفئة وتكييف الهواء، والتنظيف وخدمات الكافتيريا، وغيرها.
أما فيما يتعلق بقابلية العمل عن بُعد أو العمل الهجين/المدمج حسب القطاع الاقتصادي، فقد أشارت الباحثة أنه عالمياً، لم تتجه جميع القطاعات للعمل عن بُعد بنفس المقدار، فالقطاعات التي تتوفر فيها البنية التحتية والقابلية للانتقال لأداء الوظائف عن بُعد، مثل قطاعات البنوك والخدمات المالية، والقطاعات التقنية وتكنولوجيا المعلومات، وقطاع التعليم، زادت حظوتها في الانتقال للعمل عن بُعد خلال وبعد الجائحة، وتوافقت هذه التوجهات العالمية مع توجهات العمل عن بُعد في فلسطين. ففي تقرير نشرته منظمة العمل الدولية عن قابلية القطاعات في التحول نحو العمل عن بُعد في فلسطين نتيجة للإغلاقات الطارئة، قدر التقرير أن حوالي 12% من العمال في فلسطين كانوا قادرين على الانتقال إلى العمل عن بُعد والاحتفاظ بأجورهم المعتادة. حيث تمثلت أبرز القطاعات ذات القابلية الكبيرة في الانتقال فيها للعمل عن بُعد بقطاع التعليم (مدارس، كليات ومعاهد وجامعات) ، وقطاع المنظمات غير الحكومية الأهلية، والمنظمات الدولية، وممثليات وقنصليات الدول، والعاملون في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
تطرقت الورقة إلى أهمية الإشارة إلى تنظيم توجه العمل عن بُعد والعمل الهجين/المدمج من الناحية القانونية لضمان استمراريته ولحماية مصلحة أطراف عقد العمل. كذلك من الأهمية بمكان مشاركة الجهات الحكومية والرسمية بوضع قواعد للسلوك ودليلاً إرشادياً لتوجيه كل من العاملين والمشغلين أثناء العمل عن بُعد، بحيث تتضمن توضيحاً عاماً للحقوق والواجبات والمسؤوليات لكل طرف من أطراف العمل، وكذلك تأسيس وتوضيح القاعدة القانونية التي تحكم وتنظم حقوق وواجبات كل طرف، بالإضافة إلى تحديد قواعد أمن المعلومات والشبكة، وطرح توصيات من شأنها زيادة كفاءة العمل عن بُعد، وتسهيل دمج العمل عن بُعد بروتين العمل اليومي لتسهيل الانتقال إليه بشكل كامل في حالات الطوارئ.
من جانبه أشار السيد عاصم أبو بكر إلى أن العمل عن بعد شهد نجاحا متفاوتا من قطاع لآخر، فالقطاعات الإنتاجية كانت نسب العمل عن بعد فيها محدود بالمقارنة مع القطاعات الخدمية مثل قطاع البنوك والتأمين وتكنولوجيا المعلومات وقطاع التعليم. وفي تعليقه على موضوع استقطاب الكفاءات أشار أبو بكر إلى أن هذا يؤدي إلى مزيد من البطالة في الوقت الذي نسعى فيه إلى خلق فرص عمل وتخفيض نسب البطالة، وبين أيضاً فيما يتعلق بالتطور التكنولوجي والبنية التحتية لتشجيع العمل عن بعد أن هناك أسر وأفراد غير حاصلين على هذه الخدمات وبالتالي ستكون هناك نسبة كبيرة محرومة من سياسة وعدالة العمل عن بعد، وبحسب الورقة الخلفية أن معدلات العمل عن بعد كانت أعلى بين العاملين في الشركات الكبيرة وكون غالبية المنشآت العاملة في فلسطين متناهية الصغر وصغيرة الحجم فالاستفادة من مزايا العمل عن بعد ستكون محدودة. كما تطرق أبو بكر إلى موضوع التجارة الإلكترونية الذي أصبح ينشط بصورة كبيرة في جائحة كورونا وأصبح يشغل نسبة لا بأس بها من العاطلين عن العمل، وبالتالي دفع الحكومة للبدء في إعداد قانون عصري ينظم موضوع التجارة الإلكترونية. كما بين أبو بكر أن هناك توجه نحو تعديل قانون العمل ليواكب المستجدات التي أحدثتها جائحة كورونا بحيث يتم استحداث مادة بالعمل المرن تكون أشمل من العمل عن بعد، والعمل الهجين.
تطرق د. مهيب أبو لوحة إلى موضوع التعليم الإلكتروني حيث أوضح أنه عبارة عن منظومة تعليمية توظف تقنيات المعلومات والاتصالات بأنواعها لتوفر بيئة تفاعلية متعددة المصادر لتقديم البرامج التعليمية للمتعلمين في أي مكان أو زمان بطريقة متزامنة أو غير متزامنة اعتماداً على التعلم الذاتي والتفاعل بين المتعلم والمعلم. كما وأشار إلى أن التعليم عن بعد كان يستخدم قبل الجائحة، ولكن وتيرته ارتفعت بشكل كبير بعد الجائحة. بين أبو لوحة أن أحد سلبيات التعليم عن بعد، عدم هو توفر الإنترنت والأجهزة في بعض المناطق، ما أدى إلى انتقال بعض الطلبة من أماكن سكنهم، بالإضافة إلى فقدان الحس الاجتماعي والجانب التربوي في العملية التعليمية. ودعا إلى ضرورة تخفيف هذه السلبيات.
بدورها أشارت عائشة حموضة إلى إيجابيات العمل عن بعد والذي يعمل على التحرر من قيود الوظيفة التقليدية، ويؤدي إلى ارتفاع الإنتاجية ودخلاً إضافيا للمشاركين فيه، ويمنحهم قدرة أفضل على تنظيم أوقاتهم واستغلاله على النحو الأمثل، وأيضا يساعد في توفير الكثير من الأموال. في المقابل بينت أن هناك سلبيات للعمل عن بعد كزيادة ساعات العمل اليومي، وعدم وجود قانون ينظم حالة العاملين عن بعد، ما يعرضهم لخطر تآكل حقوقهم بسبب عدم توثيق دوامهم، ما يمس بحقوقهم في الإجازة ومكافأة نهاية الخدمة، والزيادة الدورية على الراتب الأساسي والمواصلات والتأمين الصحي، وتعويضهم عن استهلاكهم للكهرباء والمياه المنزليتان، كذلك قد يفقد المنخرطين بهذا العمل التواصل والتنسيق الذي يلزمهم في العمل خاصة الموظفين الجدد، وذلك كون التواصل الوظيفي الجيد هو مفتاح تطور أي موظف.
ودعت حموضة إلى ضرورة إجراء تعديلات على قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لعام 2000، التي يقترحها الشركاء المجتمعيون، وأن تأخذ بعين الاعتبار كل الحيثيات والتفاصيل الناشئة عن العمل عن بعد، والاستفادة من ما تم اعتماده لدى الدول الصديقة على هذا الصعيد، كما دعت إلى ضرورة المزج بين العمل الوجاهي والعمل عن بعد، لتحقيق المزيد من التنسيق والتشاور، والإلمام بتفاصيل العمل وحيثياته التأسيسية، وعدم حرمانهم من تطوير أنفسهم واكتساب مهارات جديدة والحفاظ على الحد الأدنى من التواصل الاجتماعي الإنساني بين الموظفين.
من جانبه أكد د. نضال دويكات على ضرورة أن توضع دراسات قطاعية تتنول موضوع العمل عن بعد، حيث يوجد هناك تفاوت في قدرة القطاعات الاقتصادية المختلفة على الاستجابة للعمل عن بعد، ودعا إلى ضرورة سن قوانين وتشريعات تواكب هذا التطور، مبيناً أن قطاع تكنولوجيا المعلومات هو أكثر القطاعات جاهزية لهذا العمل.
أجمع الحضور على ضرورة أن يكون هناك انتقال عادل في العمل وأن تتوفر الحماية الاجتماعية، ودعوا أيضاً إلى ضرورة إعداد دارسة مفصلة حول تكلفة الولوج إلى الإنترنت، وأن يكون هناك تشريعات لحماية أطراف العمل الثلاثة، وأن تشتمل الورقة على موضوع التجارة الإلكترونية، والشركات الناشئة، وأن يتم البحث عن القطاعات التي ينطبق عليها العمل عن بعد، حيث لا يمكن أن يصلح العمل عن بعد لجميع القطاعات.