بين برانكي , دوغلاس دايموند وفيليب ديبفينغ

 

الأكاديمية السويدية تمنح ثلاثة اقتصاديين جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لإسهاماتهم في فهم وإدارة الأزمات المالية

 

أعلنت الأكاديمية السويدية في العاشر من تشرين الأول 2022 عن منح جائزة نوبل التذكارية في العلوم الاقتصادية لثلاث اقتصاديين أمريكيين مناصفة، وهم بن برنانكي ودوغلاس دايموند وفيليب ديبفيغ، وذلك تقديرا لإسهاماتهم البحثية التي نُشرت أوائل الثمانينات من هذا القرن، والتي وضعت حجر الأساس لفهم الدور الذي تلعبه المؤسسات المالية في الاقتصاد، خاصة خلال الأزمات الاقتصادية.[1]

وينسب لدايموند وديبفيغ الفضل، على نطاق واسع، لوضعهما النظرية المصرفية الحديثة التي حددت دور البنوك، مفاهيميا ورياضيا، ووضعت إطارا لكيفية فهم الهشاشة المتأصلة فيها خلال الأزمات. من جهة أخرى، قدمت أعمال برنانكي براهين تجريبية عن الآثار السلبية البالغة التي تقع على الاقتصاد الحقيقي، والتي يتسبب بها فشل النظام المالي، من خلال دراسة السحب غير العادي (سحوبات الهلع) للودائع من المصارف خلال سنوات أزمة الكساد الكبير (1929-1932).  

سعت الورقة البحثية التي نُشرها دايموند وديبفيغ العام 1983 لاستكشاف وظائف البنوك في الاقتصاد وفهم سبب إخفاق البنوك في القيام بهذه الوظائف، ودراسة تأثير هذا الاخفاق على الاقتصاد الحقيقي.[2] ولفهم هذه الديناميات، طبق البحث إحدى نماذج نظرية الألعاب، التي تفسح المجال لوضع احتمالين، احتمالية وجود نظام مالي يعمل بكفاءة، ونقيض ذلك، أي احتمالية تعطّل النظام المالي مع انهيار البنوك. وفيما يتعلق بدور البنوك، يحدد القسم الأول من هذا البحث دور البنوك في زيادة السيولة في الاقتصاد عبر تمويل القروض طويلة الأجل (أصول غير سائلة) من إيداعات العملاء قصيرة الأجل (أصول سائلة). يحسّن هذا من الرفاه العام ويزيد من كفاءة الاقتصاد بشكلٍ عام. وانطلاقا من هذا التحليل، وضح دايموند وديبفيغ كيفية عمل النظام بشكلٍ جيد وكيف يؤدي وظائفه في الظروف الطبيعية، عندما يطمئن المودعين لإمكانية وصولهم إلى إيداعاتهم بسهولة.

ولكن هذه الفرضية الجوهرية تنهار عندما تجتاح الأسواق موجات من الهلع؛ عندئذ يتبادر لذهن الأفراد المودعين أن البنك سيشرع ببيع أصوله طويلة الأجل بخسارة، ما يدفعهم للإسراع بالمطالبة بسحب ودائعهم على الفور. وفي هذه الحالة، لن يتمكن البنك من إعادة ودائع جميع عملائه في نفس الوقت.

من خلال كشفهما ديناميات السحب غير العادي للودائع في المصارف، يؤكد دايموند وديبفيغ أن الفرد المودع يتصرف بشكل عقلاني ومثالي عندما تسيطر دورة هلع على السوق، على الرغم من أن التدافع الجماعي على السحب غير العادي لودائع البنوك قد يسبب حالة من الفوضى، ويؤدي إلى حدوث خسائر في الرفاه الاقتصادي ككل. واستنادا إلى هذه الرؤية، قاما بطرح بعض التوصيات التي تهدف إلى تقليص فرص حدوث حالات هلع في الأسواق، مثل عمل تأمينات على الودائع لحماية أصول المودعين وكذلك ضمان السيولة في البنوك من خلال أن تعمل الحكومات كمقرض للملاذ الأخير. وقد أصبحت الأفكار المنبثقة عن نموذج دايموند وديبفيغ ذات تأثير كبير- إذ بات نموذجهما أحد أكثر النماذج المستشهد بها في علوم الاقتصاد، وساعد واضعي السياسات على تسليط الضوء على أهمية الحيلولة دون سيطرة موجات الهلع على الأسواق المالية. كما دعم عملهم وجهة النظر المستجدة في ذلك الوقت، بأن سلامة الأسواق المالية يمكن أن يكون لها آثار مباشرة على الاقتصاد الحقيقي.

أما أعمال بن برنانكي فتركز على تأثير النظام المالي على أنشطة الاقتصاد الحقيقي ومآل الاقتصاد الكلي. سعى برنانكي في بحثه الذي استشهدت به الأكاديمية السويدية، والذي نُشر أيضا في العام 1983، إلى توضيح كيف ولماذا أدى فشل النظام المالي في الأزمة العالمية الكبرى في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، إلى استمرار الانكماش الاقتصادي لقرابة عقد من الزمن.[3] وعلى خلاف الرأي السائد في ذلك الوقت، الذي أسهب ميلتون فريدمان وأنصاره بتوضيحه، أظهر برنانكي أن عرقلة عمل البنوك في جمع المعلومات كانت إلى حد بعيد السبب وراء الركود المطوّل في الناتج الاقتصادي الحقيقي، وليس فقط انكماش عرض النقد نتيجة الخسائر التي لحقت بأصول المودعين بعد السحب غير العادي للإيداعات.

وضح برنانكي كيف تقوم البنوك بفرز المقترضين بناء على فحص مدى قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية في حال طرأ تبدل في شروط السوق. وهذه وظيفة بالغة الأهمية نظرا لعدم تكافئ مقدار المعلومات المتوفرة للدائنين وللمقترضين. ففي الأزمات المالية، كما حدث في الأزمة العالمية الكبرى، تصبح المعلومات المتعلقة بالملاءمة المالية للعملاء شحيحة، وتتعطل قدرة الوسطاء الماليين على توجيه الائتمان إلى المقترضين الأكثر إنتاجية، ما يتسبب في حدوث خسائر اقتصادية حقيقية وشل قدرة الاقتصاد على التعافي. لهذا، يبرز بحث برنانكي أهمية آليات الائتمان باعتبارها من مسببات الانكماش وتراجع النمو الاقتصادي.

كان لهذه الأفكار تأثير كبير على السياسات التي طبقها برنانكي خلال فترة توليه رئاسة بنك الاحتياطي الفيدرالي (FED) والتي كانت موجهة نحو الحيلولة دون انهيار النظام المالي العام 2008. وعلى الرغم من ذلك، تعرض برنانكي خلال فترة رئاسته لانتقادات بسبب سياساته قبل وخلال الأزمة. إذ أشار بعض النقاد الى أن حزم الإنقاذ، التي لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ من حيث الحجم، والتي حصلت المؤسسات المالية عليها كجزء من محاولات البنك الفيدرالي لتنشيط القطاع المالي، قد أدت الى ما يعرف باسم "التعدي الأخلاقي" (أي تشجيع البنوك على أخذ مخاطر استثمارية عالية اعتمادا على أن البنك الفيدرالي سوف يأتي دائما لإنقاذها). كما انعكست في تشويه نظام الحوافز للمؤسسات المالية وأضعفت من امكانية تأسيس أسواق مالية جيدة الأداء. وأكد النقاد أيضا على أهمية تحسين آليات المتابعة والفحص لكشف الضغوط داخل النظام المالي من أجل استباق الأزمات المنهجية. [4]

وعلى الرغم من أن هذه الانتقادات لم تكن موجه ضد البحث التجريبي لبرنانكي الذي منح جائزة نوبل لأجله، إلا أنه يرتبط بنموذج دايموند وديبفيغ للقطاع المالي أيضا. وبصرف النظر عن مساهماتهما الكبيرة ومنهجهما الذي حظي بالتقدير والجائزة، يبقى هناك عدة أوجه قصور تتناقض مع واقع السوق. حيث يستبعد نموذج دايموند وديبفيغ بشكلٍ أساسي إمكانية المصارف استخدام الوسائل المتاحة لديها لخلق ودائع مستجدة وتقديم ائتمانات أكثر. وبهذا فهو يتغاضى عن أحد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء السحب غير العادي للودائع؛ وهو الخوف من استنفاذ البنوك للسيولة المتوفرة لديها بسبب تراكم الديون. لذلك، وعلى الرغم من بساطة نموذجهم ورؤيته الثاقبة، أظهرت الأزمات الأخيرة، خاصة أزمة العام 2008، بعضا من محدداته.[5]

 

[1]  رسمياً، جائزة بنك السويد في العلوم الاقتصادية في ذكرى ألفريد نوبل.

[2] Diamond, D. W., & Dybvig, P. H. (1983). Bank Runs, Deposit Insurance, and Liquidity. Journal of Political Economy, 91(3), 401–419. doi:10.1086/261155.

 

[3] Bernanke, B. (1983). Non-Monetary Effects of the Financial Crisis in the Propagation of the Great Depression. doi:10.3386/w1054.

 

[4] For critical assessment of the FED role during the crisis, consult the following references:

5 For assessment of the Diamond-Dybvig model see:

  •  DeAngelo, H., & Stulz, R. M. (2015). Liquid-claim production, risk management, and bank capital structure: Why high leverage is optimal for banks. Journal of Financial Economics, 116(2), 219–236. https://doi.org/10.1016/j.jfineco.2014.11.011