ماريانا مازوكاتو

ماريانا مازوكاتو أستاذة في اقتصاد الابتكار والقيمة العامة في جامعة كلية لندن (University College London)، وهي مؤسسة ومديرة معهد الابتكار والغرض العام في الجامعة الذي يُعنى بإعادة تعريف دور السياسات العامة في تحديد معدل النمو الاقتصادي واتجاهه.[1] صنفت مازوكاتو كأكثر الاقتصاديين تأثيراً في العالم حسب مجلة كوارتز.[2] تعمل مازوكاتو مع سياسيين وصناع قرار من دول مختلفة حول العالم، وبشكل أساسي مع المفوضية الأوروبية. هي مستشارة حزب العمال البريطاني في السياسة الاقتصادية، كما أنها مستشارة المرشحة الديموقراطية الأمريكية إليزابيث وورن، وأيضاً مستشارة زعيم الحزب القومي الاسكتلندي نيكولا ستورجن.[3]

تدرس مازوكاتو كخبيرة اقتصادية علاقة الابتكار بالنمو الاقتصادي على مستوى الشركة، الصناعة، والدولة. لها العديد من المؤلفات أشهرها كتاب "(الدولة الريادية: كشف أساطير القطاع العام مقابل القطاع الخاص، 2016)، وكتاب (قيمة كل شيء، 2018). تركز مازوكاتو، على دور الابتكار والنمو الاقتصادي من خلال تحليل دور الحكومات في دعم الابتكارات كعامل أساسي لنجاحها. من هنا تطرقت كأمثلة إلى شركات Google، Facebook، وApple، والتي نجحت في دولة معينة وربما لم تلقى ما يشابهها في دول أخرى مثلاً في دول أوروبا. فالتساؤل الأهم هنا حسب رأيها، ما هو السر وراء نجاح هذه الشركات؟ هل نجحت باستخدام نفس آليات السوق المتبعة في العالم؟ هل هنالك آليات تمويلية مختلفة تتبنى الابتكارات الجديدة وتخاطر في تمويلها أكثر من البنوك؟ أم أن الأمر يتعلق بسياسات تسويقية ناجحة جداً تختلف عن الآليات التسويقية التقليدية؟  

اهتمت مازوكاتو في تحليل اللغة، الخطاب، الصور، والكلمات المستخدمة لوصف القطاع الخاص بأنه أكثر قدرة على الابتكار والإبداع من ناحية، وتشويه صورة القطاع العام ودوره والادعاء بأن تضخم القطاع العام في بعض الدول يحول دون أخذ القطاع الخاص لدوره الاستثماري الحيوي. لتفنيد هذه الادعاءات، أخذت مازوكاتو، على سبيل المثال، "هاتف آيفون" وبدأت بتحليل العناصر التي جعلته هاتف ذكي (الانترنت، شاشة اللمس، نظام تحديد الموقع..) ووجدت أن هذه الابتكارات جميعها تم تطويرها باستخدام أموال عامة ومشاريع من الموازنات العسكرية المخصصة للمعالجات الدقيقة، كما أن جميع هذه الابتكارات أشرفت عليها جامعات حكومية ومؤسسات بحثية، وليس بالضرورة رأسماليين مبدعين أو أذكياء، كما يبدو أحياناً. تطرح مازوكاتو مثالاً آخر يتعلق بالصناعات الدوائية، حيث يتم تمويل 75% من الابتكارات التي تتعلق بالمركبات الكيميائية الأولية من قبل مختبرات تتبع للقطاع العام. بينما ما ينفقه القطاع الخاص يركز على الدعاية والتسويق، وشراء الأسهم.[4]

إذن دور الدولة في هذه الحالات تعدى ما يدعيه الاقتصاديون وصانعي "سياسات التصحيح الهيكلي" قيما يتعلق باختلالات السوق، حيث لم يقتصر دور الدولة على تمويل البحوث الأولية وإنما تعداها لتمويل البحوث التطبيقية. أي أن الدولة أخذت دور تحمل المخاطرة التي لا يتحملها المستثمرون عادة، والتي بطبيعة الحال تزداد في القطاعات التي تعتمد على التجربة والابتكار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا كانت الدولة التي تحمل المخاطرة، اذاً لصالح من تعود عوائد الاستثمار؟ من هنا تطرح وجوب إيجاد آليات لإعادة توزيع القيمة المضافة بصورة مباشرة أكثر من الضرائب.

تأتي أفكار مازوكاتو على النقيض من أفكار غالبية اقتصادي مرحلة الليبرالية الجديدة و"السوق الحرة"، وتدعو من خلال طروحاتها إلى دور أكبر للحكومات من أجل تحقيق النمو الاقتصادي. فالادعاءات التي تقول إنه بإمكان القطاع الخاص وحده أن يقود السوق والنمو هو أمر غير صحيح بحسب تحليلها لعدد من الصناعات التي تقوم على الابتكار وتحليل الدور الذي لعبته الحكومات لتحقيق ما حققته هذه الشركات. من هنا تنطلق مازوكاتو إلى ما يمكن أن يكون "أخطر" بالنسبة لاقتصادي هذه المرحلة، ألا وهو إعادة توزيع الدخل. تعتمد في ذلك على نظرية الإنتاج الجمعي للقيمة، فإنتاج القيمة ليس عمل فردي بحيث تسيطر القلة القليلة على الكم الأكبر من فائض القيمة (أصحاب رؤوس الأموال، أو الرياديين)، إنما الدولة تساهم في إنتاج فائض القيمة، العمال من خلال قوة عملهم ينتجون فائض القيمة كذلك من هنا لا بد من توزيع مختلف للثروة يشمل جميع عناصر الإنتاج.[5]