حقوق السحب الخاصة
حقوق السحب الخاصة
(Special Drawing Rights, SDR)
حقوق السحب الخاصة هي فكرة قام صندوق النقد الدولي باستنباطها في العام 1969، بهدف توفير ودعم الاحتياطيات النقدية للدول الأعضاء في الصندوق وتوفير السيولة للاقتصاد الدولي. وثائق السحب الخاصة هذه ليست عملة، وليست مطلوبات (ديون) على أو إلى صندوق النقد الدولي، ولكنها وثائق يمكن للدول أن تقوم بتحويلها إلى عملات احتياط بالتعاون مع الدول الأخرى.
كيف تؤدي حقوق السحب إلى زيادة السيولة؟
لكل وحدة من حقوق السحب الخاصة قيمة معينة (تعادل تقريبا 1.5 دولار أمريكي). وترتبط هذه القيمة بسلة من العملات الخمس الرئيسية في العالم: الدولار الأمريكي (بنسبة 41.7%)، اليورو (30.9%)، اليوان الصيني (10.9%)، الين الياباني (8.3%)، والباوند الإسترليني (8.9%). ويتم تعديل هذه النسب تبعاً لقوة الاقتصاديات المذكورة مرة كل 5 سنوات (دخل اليوان الصيني في السلة في العام 2016). كما تتم إعادة تعديل قيمة وحدة السحب الخاصة يومياً تبعاً للتبدل في أسعار صرف العملات الخمس بين بعضها البعض.[1]
حالما يقوم صندوق النقد الدولي بتوزيع وثائق السحب الخاصة (بشكل مجاني) على الدول الأعضاء في الصندوق (190 دولة)، يصبح بإمكان كل دولة مبادلة هذه الوثائق، بما يعادل قيمتها، بواحدة من العملات الخمس الرئيسية. وتقود هذه المبادلة إلى ارتفاع الاحتياطيات النقدية في الدول التي تبيع وثائق السحب، ما يساعدها على زيادة السيولة وعلاج عجوز موازين المدفوعات.
ولكن انخفاض عدد (قيمة) حقوق السحب الخاصة في الدولة التي تبيع الوثائق عن العدد الأصلي الممنوح لها من الصندوق، يقتضي منها دفع فوائد إلى الدولة التي اشترت هذه الحقوق، أي التي ارتفع عدد حقوق السحب فيها عن العدد الأصلي الممنوح لها. على ذلك، عندما يقوم لبنان، مثلاً، بمبادلة حقوق السحب التي منحها الصندوق له مقابل الحصول على اليورو مع فرنسا، يتوجب على لبنان دفع فوائد إلى فرنسا. وكلما كانت ممتلكات لبنان الفعلية من حقوق السحب أقل مما حصل عليه في التوزيع الأصلي، يتوجب عليه دفع فوائد، في حين كلما كان ما تحتفظ به فرنسا أعلى من التوزيع الأصلي، فإنها تحصل على فوائد. أما عند تطابق الرقمين، فإن الدولة لا تدفع ولا تحصل على فوائد.[2]
جوهر الأمر، إذن، هو أن لبنان يمكنه، عبر مبادلة حقوق السحب التي يمتلكها، اقتراض عملات صعبة بسعر فائدة متدنٍّ نسبياً، وأن فرنسا يمكنها أن تمنح قروضاً إلى لبنان لقاء مراكمة حقوق سحب إضافية (ضمانات للدين) تستطيع أن تستخدمها في مجالات متعددة.
يتم تبادل وثائق السحب الخاصة لقاء عملات الاحتياط بشكل اختياري بين الدول، ولكن يحق لصندوق النقد الدولي، في ظروف معينة، الطلب من دول الفائض مبادلة (شراء) وثائق السحب من دول العجز. وتستخدم بعض الدول وثائق السحب كمساعدات للدول الفقيرة، كما تسمح الإجراءات باستخدام وثائق السحب الخاصة لسداد الديون تجاه صندوق النقد.
التوزيع العام للحصص (General Allocation)
يتطلب إصدار وتوزيع حقوق السحب الخاصة على الأعضاء في صندوق النقد الدولي موافقة 85% من الأصوات الكلية للأعضاء. ويتم التوزيع على الأعضاء بنسب تتطابق مع كوتا كل دولة في الصندوق (وهي تعادل تقريباً نسبة الأصوات التي تملكها كل دولة). ويلخص الجدول 7-1 نسب التصويت (الكوتا) التي تمتلكها دول مختارة في الصندوق.
جدول 7-1: توزع قوة التصويت (الكوتا تقريباً) لبعض الدول في صندوق النقد الدولي 2021
الدولة |
قوة (نسب) التصويت (%) |
الولايات المتحدة المملكة المتحدة الصين اليابان روسيا السعودية ألمانيا فرنسا مصر |
16.50 4.03 6.08 6.14 2.59 2.01 5.31 4.03 0.43 |
قام صندوق النقد الدولي خلال حياته بإجراء 4 توزيعات عامة لحقوق السحب الخاصة: في 1970/72، و1979/81، و2009، والأخيرة في 2021. جاءت الإصدارات الثلاثة الأولى في ظروف الأزمات الاقتصادية الدولية، وهدفت إلى مساعدة الأعضاء على علاج مشاكل موازين المدفوعات وزيادة السيولة الدولية. أما التوزيع الأخير، فجاء أساساً بهدف سد الحاجة لزيادة الاحتياطيات على المدى الطويل في الدول كافة، وتحرير قيد السيولة، ما يسمح للدول الفقيرة والصاعدة بزيادة الإنفاق لمواجهة جائحة كورونا.
بلغ عدد وحدات إجمالي الإصدار الأخير لحقوق السحب الخاصة 456 مليار وحدة، وهو ما يعادل 650 مليار دولار أمريكي تقريباً. وهذه أعلى قيمة إصدار في تاريخ الصندوق. وكما ذكرنا سابقاً، حصلت كل دولة على نسبة من إجمالي حقوق السحب الجديدة تعادل حصتها (الكوتا التي تمتلكها) في الصندوق. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة مثلا حصلت على نحو 80 مليار وثيقة سحب خاص، في حين حصلت أفغانستان على 310 ملايين، والعراق على 1,549 مليون، والأردن على 328 مليون وثيقة.
من الجلي أن هناك تحيزاً كبيراً في توزيع الحصص (وفي نسب التصويت) لصالح الدول الغنية، وعلى حساب الدول الفقيرة والصغيرة. وهذا نتيجة طبيعية للبنية التنظيمية لصندوق النقد الدولي، التي تشبه بنية المصارف الخاصة، حيث تبلغ مساهمة (كوتا/حصة) الولايات المتحدة المدفوعة في أصول الصندوق نحو 83 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة، وهو ما يعادل تقريباً نسبة 17.43% من إجمالي الأصول.
بطبيعة الحال، لم تحصل فلسطين على حصة من التوزيع العام لحقوق السحب الخاصة نظراً لأنها ليست عضواً في الصندوق. ولكن من الممكن، مبدئياً، أن تتلقى سلطة النقد الفلسطينية وثائق حقوق السحب الخاصة على شكل هدايا أو منح من الدول الصديقة، وأن تقوم باستخدامها مباشرة لسداد ديونها تجاه المنظمات الدولية، أو مبادلتها لقاء العملات الصعبة لتمويل المستوردات.