إستراتيجية التنمية بالعناقيد

إستراتيجية التنمية بالعناقيد

The Cluster Approach to Development

 

تبنت الحكومة الفلسطينية الجديدة المنهج التنموي القائم على تشجيع تأسيس العناقيد. وتحدث رئيس الوزراء عن تأسيس ثلاثة عناقيد في قطاع غزة، عنقود البحر وعنقود زراعي وآخر صناعي. وعنقودين صناعيين في كل من نابلس والخليل، وعنقود سياحي في بيت لحم. وعنقود للمال والإدارة العامة في رام الله. وتم اختيار العناقيد والمواقع اعتمادا على المميزات الاقتصادية الخاصة بكل محافظة من المحافظات الفلسطينية.

المزايا التنافسية (Competitive Advantages)

تعود فكرة المميزات المترافقة مع تركز صناعات متشابهة في مناطق جغرافية معينة إلى الاقتصادي البريطاني ألفرد مارشال في كتابه التأسيسي في العام 1890. ولكن المفهوم المعاصر للعناقيد يعود إلى الاقتصادي الأمريكي مايكل بورتر، الذي طور الفكرة في كتابه "المزايا التنافسية للأمم" الذي صدر في العام 1990. وتمثلت المساهمة الرئيسية لبورتر في التأكيد على أهمية التنافس في خلق المزايا الاقتصادية وفي تحفير التطور والنمو بالتالي. والعناقيد، أو التعايش التنافسي والتعاوني بين الشركات التي تنتج سلعا متشابهة والمتجاورة جغرافيا، تفسح المجال الأمثل لتطوير المزايا والتفوق. وحدد بورتر أربعة عوامل وراء ظهور المزايا التنافسية للأمم. وهي وفرة عوامل الإنتاج (مواد أولية ويد عاملة وغيرها)، شروط الطلب (طبيعة الطلب على المنتجات ومستواه ونوعيته)، توفر الصناعات والنشاطات المكملة، وأخيراً استراتيجيات الإنتاج والتسويق التي تطبقها الشركات.

ما هي العناقيد؟

تعرًف العناقيد بأنها تركز منشآت متجانسة في مناطق جغرافية معينة، تقوم بإنتاج سلع متشابهة/أو توفر خدمات متطابقة. ويتعايش في هذه المناطق الجغرافية شركات أخرى بروابط إنتاج وتوريد أمامية وخلفية مع المنشآت الأولى، أي موردي البضائع الوسيطة اللازمة ومقدمي الخدمات الداعمة والمؤسسات الضرورية. والعناقيد هي من نوعين، إما عناقيد تتشكل طبيعياً وتلقائياً، أو عناقيد يقوم الإنسان بتوفير الظروف لتشكيلها وازدهارها. وتهدف العناقيد إلى تحفيز النمو الاقتصادي عبر تشجيع التنافس/التعاون بين المنشآت، ومن خلال توفير إطار للشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والقطاع الأهلي.

يتبدى جوهر فكرة العناقيد في أنه عند توفير مناخ عام يسمح ويدعم بناء المهارات، وعندما تكون الشركات مضطرة لأن تتنافس وتستثمر وتبدع، فإن المزايا التنافسية تتكون وتظهر. أي أنّ التطور ليس مرهوناً بالمزايا التنافسية التي تجود بها الطبيعة، والرخاء الوطني ليس قدراً يتم توريثه ووراثته، ولكنه ظرف يمكن خلقه بالسياسات الواعية. وشهدت فكرة تأسيس العناقيد رواجاً كبيراً في السنوات الماضية نظراً لنجاحاتها في دول جنوب شرق آسيا، ولتبنيها من قبل الوكالة الأوروبية التي تسعى بشكل حثيث إلى تأسيس عناقيد صناعية عابرة للحدود الجغرافية بين دول الإتحاد الأوروبي. ويوفر "مرصد رقابة العناقيد الأوروبي"، الذي تأسس في العام 2007، معلومات عن سياسات ومبادرات العناقيد في 32 دولة أوروبية.

يجدر الالتفات إلى الملاحظة الثاقبة التي وردت في تقرير للبنك الدولي والتي تنبه إلى أن منهج التطوير الذي يعتمد على العناقيد يفترض دوراً مهماً ورؤيا للحكومات في تحفيز المنشآت والاستثمارات وتوجيهها بشكل غير مباشر، ولكن فعال، على ضوء الإستراتيجية المختارة. ولكن قدرات القطاع العام وموظفيه غالباً ما تكون ضعيفة في الدول النامية وأدنى بمراحل من القدرات اللازمة لأداء هذا الدور الطليعي. بهذا المعنى فإن تأهيل الكادر الحكومي يبدو على أنه شرط ضروري لنجاح استراتيجيات العناقيد التي تفترض أدواراً مهمة للحكومة في العملية التنموية.

(نشرت في المراقب الإقتصادي، العدد 58، سنة 2019).