الريع والدولة الريعية

الريع والدولة الريعية

Rent and the Rentier State

 

كلمة (Rent) الإنكليزية لها معنيين، الأول هو "الإيجار والتأجير"، والثاني هو" الريع". والريع هو الدخل الإضافي الذي يتم تحصيله من قبل الأفراد أو الدول دون بذل جهد أو تضحية موازية، ودون وجود استثمار أو ابتكار يبرر الحصول عليه. أي أنه الربح الإضافي الذي يتحقق للأفراد أو للدول بسبب مزايا طبيعية معينة (مثل المصادفات الجغرافية كتوفر مكامن موارد طبيعية لا يحظى بمثلها الآخرون، أو موقع جغرافي مميز) أو مزايا احتكارية خاصة. والدولة الريعية هي الدولة التي يشكل الريع جزءاً مهماً من أجمالي إيراداتها.

الريع في التحليل الكلاسيكي

يعود أصل مفهوم الريع إلى الاقتصادي الكلاسيكي ديفيد ريكاردو (1772- 1823) الذي ركزت تحليلاته على توزيع الدخل بين طبقة الإقطاع (ملاك الأراضي) والطبقة الرأسمالية الناشئة. يتولد الريع عند ريكاردو بسبب من زيادة السكان والحاجة إلى تمدد الزراعة إلى الأراضي الأقل خصوبة. وهو ما يقتضي ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية لتغطية تكلفة الإنتاج الأعلى على الأراضي الأقل خصوبة. وهو ما يعني أن الإقطاعيين، أصحاب الأراضي ذات الخصوبة الطبيعية العالية، يحققون ارباحاً إضافية، ريوعاً، دون بذل أي جهد إضافي. وتوقع الاقتصاديون الكلاسيكيون أن استمرار زيادة السكان، وتوسع الطلب على الغذاء بالتالي، سيؤدي إلى زيادات مستمرة في دخل الإقطاعيين (في الريع) على حساب أرباح الرأسماليين والأجور الحقيقية للعمال. وفي مراحل لاحقة ارتبط مفهوم الريع بالثروات الإمبريالية المستنزفة من المستعمرات، وبشكل خاص الحياة الكسولة للطبقات المرفهة التي تعيش على الفوائد المتحققة على ثرواتها الباهظة.

الريع من استغلال المكامن الطبيعية

انتشر مفهوم الدولة الريعية على نطاق واسع في سبعينيات القرن الماضي، عقب "ثورة" أسعار النفط. وارتبط المفهوم، حصريا تقريبا، بالدول المصدرة للنفط ذات عدد السكان الضئيل والطاقة الامتصاصية المحدودة للاستثمارات، بالمقارنة مع العوائد المالية الضخمة التي تحققت لها. ولقد تم التركيز بشكل خاص على التبعيات الاقتصادية والاجتماعية/الحاكمية السلبية لتدفق الريع إلى تلك الدول. وتتمثل التبعات الاقتصادية بما بات يعرف باسم" لعنة الموارد" (Resource Curse)، أي أثر تدفق الريوع على إحباط نمو القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد وعلى توسع قطاعات الخدمات، بشكل مشابه لما يفعله “المرض الهولندي" (انظر تعريف المرض الهولندي في الحلقة السابقة).

أما بالنسبة للتبعات الاجتماعية/الحاكمية لتدفق الريع فهي متعددة، ومنها التأثير على أخلاقيات العمل، إذ أن أفراد المجتمع يطالبون ايضاً بحصتهم من الريع الذي تجنيه الدولة، مجانا ودون الإحساس بضرورة بذل جهد مواز. كما أن تدفق الدخل في الدول الريعية يكون على عكس اتجاه التدفق المعتاد، فالاقتصاد والمجتمع يعتاش على الحقن النقدي من الدولة التي تجني الريع من باطن الأرض. أي أن الدولة تعيش في غنى عن الضرائب التي يدفعها المواطنون، لا بل أنها هي التي تقيم أود السكان عبر توزيع الهبات والهدايا و "الكرامات". وهذا يجعلها معصومة عن المسائلة والحساب، ويجعل المواطنين "زبائن" عند الدولة، على عكس الحال بالنسبة للحكومات التي يعتمد استمرارها على جمع الضرائب من الشعب، والتي تخضع للمساءلة.

من المهم التأكيد ثانية على أن الريع، و"ثقافة الريع"، لا يقتصر على الدخل الفائض الذي يتحقق بسبب من المزايا الطبيعية والجغرافية. إذ أن أي نشاط يتولد عنه ربح إضافي، أعلى بشكل ملحوظ من مستوى الربح العادي، وليس ناتجا عن تفوق إداري أو تقني، هو ريع. وغالباً ما يتحقق هذا الريع نتيجة الاحتكار والحيلولة دون ظهور المنافسين، وفي مناخ الفساد والحظوة لدى أصحاب القرار. ولا يخفى أن التبعات الاقتصادية والاجتماعية والحاكمية لهذا الريع لا تقل سوءا عن ريع الموارد.  

(نشرت في المراقب الإقتصادي، العدد 59، سنة 2020).