السياسة النقدية مقابل السياسة المالية
السياسة النقدية مقابل السياسة المالية
Monetary Policy vs. Fiscal Policy
السياسات الاقتصادية هي مجموعة الإجراءات والتدخلات التي تتخذها السلطات (الوطنية أو المحلية) للتأثير على الأداء الاقتصادي بهدف تحقيق غايات معينة. وهناك أنواع مختلفة من السياسات الاقتصادية، مثل السياسات الزراعية والصناعية والتجارية. ولكن السياسات النقدية والمالية لها أهمية خاصة نظراً لأنها تؤثر على النشاط الاقتصادي في كافة القطاعات.
السياسة النقدية والسياسة المالية
السياسة النقدية هي مجموعة الإجراءات المرتبطة باستخدام أداتين رئيسيتين للتأثير على النشاط الاقتصادي: سعر الفائدة وكمية النقود المتداولة في الاقتصاد (عرض النقود). وتتولى البنوك المركزية في الدول المختلفة مهام تنفيذ السياسة النقدية، وتتمتع هذه البنوك بدرجات مختلفة من الإستقلالية عن السلطات التنفيذية. وفي حالات الاستقلالية الكلية (كما هو الأمر بالنسبة للبنك المركزي الأوربي والبنك المركزي الأميركي الذي يعرف بإسم (The Fed)) غالباً ما يكون للبنوك المركزية هدف معلن يحكم قراراتها، مثل الحفاظ على معدل التضخم ضمن هامش معين. وبشكل عام ترمي البنوك المركزية من التحكم بسعر الفائدة وكمية النقود إلى التأثير على كمية القروض التي تمنحها المؤسسات المالية المختلفة للقطاع الأهلي وقطاع الأعمال، وهو ما ينعكس بالتالي على النشاط الاقتصادي العام. ويتم هذا التحكم بشكل غير مباشر عبر ثلاث قنوات: تغيير معدل الاحتياطي الإلزامي للمصارف (النسبة من الودائع التي يتوجب على المصارف الاحتفاظ بها في البنك المركزي)، تغيير معدل "الديسكونت" (وهو معدل الفائدة الأدنى الذي يمكن للمصارف الاقتراض على أساسه من البنك المركزي أو من بعضها البعض)، وأخيراً ما يعرف بإسم عمليات السوق المفتوحة (أي قيام البنك المركزي بشراء أو بيع السندات الحكومية مما ينعكس بزيادة الكتلة النقدية في حالة الشراء وتقلصها في حالة البيع).
السياسة المالية بالمقابل تتعلق بمجموعة الإجراءات الحكومية المرتبطة بجمع الضرائب والإنفاق العام (الموازنة الحكومية). وتتولى السلطة التنفيذية (بتخويل من السلطة التشريعية) مهام تنفيذ السياسة المالية. وتهدف السياسة المالية، إلى جانب تمويل نشاط الإدارة العامة، التأثير على النشاط الاقتصادي عبر القرارات المتعلقة بمستوى وبنية الإنفاق العام وعجز الموازنة والاقتراض (الدين العام). وأهم أدوات السياسة المالية لتحفيز النشاط الاقتصادي يتمثل في زيادة الإنفاق العام، الذي هو أحد مكونات الطلب الكلي. ويتم تمويل هذه الزيادة إمّا عبر رفع الضرائب (على افتراض أنّ ارتفاع الطلب الكلي بسبب زيادة الإنفاق العام سيكون أكبر من انخفاضه بسبب رفع الضرائب)، أو زيادة الدين العام (الإنفاق بالعجز).
النظرية الكينزية والمدرسة النقدية
تؤكد النظرية الكينزية على أهمية الدور الذي تلعبه السياسة المالية، وخصوصاً الإنفاق بالعجز، في تحفيز الاقتصاد للخروج من الكساد والبطالة المستحكمة. وهي أيضاً تقلل من شأن وفعالية السياسة النقدية في دفع الاقتصاد قدماً. وتشير بشكل خاص إلى أنّ التوسع في الكتلة النقدية يفشل في التأثير على سعر الفائدة عندما يكون هذا السعر متدنٍ للغاية وقريب من الصفر (وهو ما يطلق عليه اسم "مصيدة السيولة" Liquidity Trap). بالمقابل تولي المدرسة النقدية أهمية كبيرة للسياسة النقدية، وتعتبر أنّ التبدل في الكتلة النقدية هو ما يقف وراء التحولات في النشاط الاقتصادي. وتحاجج المدرسة النقدية أيضاً بأنّ التوسع في الإنفاق العام غالباً ما تتم موازنته بانخفاض في الاستثمار الخاص (وهو ما يعرف باسم "الطرد" Crawding-Out) مما يعني أنّ السياسة المالية يمكن أنّ تترك أثراً على بنية الإنفاق بين القطاعين الخاص والعام ولكنها ضعيفة الأثر على النشاط الكلي في الاقتصاد.
مزايا ومثالب السياستان
بغض النظر عن الخلاف بين المدرستين الكينزية والنقدية فيما يتعلق بفعالية استخدام سعر الفائدة وكمية عرض النقود (السياسة النقدية) مقارنة باستخدام معدل الضرائب والإنفاق العام (السياسة المالية) للتأثير على النشاط الاقتصادي، يمكن أنّ نسوق الملاحظات التالية على السياستين:
- أنّ صياغة وتنفيذ التحول في السياسة النقدية لمواجهة الظروف الطارئة غالباً ما يكون أسرع وأسهل من تغيير السياسة المالية. ذلك لأنّ الأخيرة تقتضي، في الأنظمة الديمقراطية، صياغة قوانين وضمان موافقة برلمانية، في حين يمكن لمدراء البنوك المركزية اتخاذ قرارات مستقلة وسريعة تتعلق بسعر الفائدة والكتلة النقدية. ولكن بالمقابل فإنّ أثر السياسات النقدية على الاقتصاد يستغرق وقتاً طويلاً حتى يظهر مقارنة بالإجراءات المالية، ذلك لأنّ السياسة النقدية تعمل من خلال تأثير التحولات في سعر الفائدة على الطلب الاستثماري أساساً، وهو ما يحتاج إلى زمن ليس بالقصير لظهور نتائجه.
- أنّ السياسة النقدية، على عكس المالية، لها انعكاسات مباشرة على سعر صرف العملة وعلى تدفق رؤوس الأموال من الخارج وإلى الخارج، وهذا ما يقتضي ضرورة الحرص البالغ في استخدامها. يضاف إلى ذلك أنّ استخدام السياسة النقدية لتحفيز الاقتصاد غير متاح أصلاً في الدول التي تتبنى سعر صرف العملة الثابت، إذ يتوجب في هذه الحالة تسخير معدل الفائدة والكتلة النقدية لهدف واحد فقط وهو حماية سعر صرف العملة.
- أخيراً، وعلى الرغم من أن السياسات المالية والنقدية لها انعكاسات على كافة القطاعات في الاقتصاد، إلا أنّ فرص تركيز التأثير المباشر على قطاعات معينة، ولغايات اجتماعية محددة، متاح أكثر في السياسة المالية منها في النقدية.
(نشرت في المراقب الإقتصادي، العدد 60، سنة 2020).