النمو الإقتصادي- مصادر النمو
النمو الإقتصادي- مصادر النمو
Sources of Economic Growth
عندما نقول أنّ الاقتصاد في هذه السنة حقق نمواً بمعدل خمسة بالمئة، فهذا يعني أن قيمة مجموع السلع والخدمات التي أنتجها الاقتصاد في هذه السنة، مقدرة بالأسعار الحقيقية (أي بعد استثناء تأثير زيادة الأسعار)، زادت عما كانت عليه في السنة الماضية بمقدار خمسة بالمئة. ومن الطبيعي أن تكون الزيادة في إنتاج السلع والخدمات حصلت كنتيجة لواحد من التغيرات الثلاثة التالية:
- زيادة في استخدام عوامل الإنتاج أدت إلى زيادة قيمة الإنتاج بمقدار خمسة بالمئة.
- زيادة في إنتاجية عوامل الإنتاج أدت إلى زيادة قيمة الإنتاج بمقدار خمسة بالمئة.
- زيادة في استخدام عوامل الإنتاج والإنتاجية في نفس الوقت، وعلى سبيل المثال قد تؤدي زيادة عوامل الإنتاج إلى زيادة في قيمة الإنتاج بمقدار اثنين بالمئة، في حين تؤدي زيادة الإنتاجية إلى زيادة قيمة الإنتاج بمقدار ثلاثة بالمئة.
عوامل الإنتاج
تتكون عوامل الإنتاج من العناصر التالية:
- الأرض، ويشمل هذا العامل مساحة الأراضي المستعملة في كل قطاعات الإنتاج الزراعية والصناعية والخدماتية.
- العمال، ويشمل عدد العمال الذين اشتركوا في عملية الإنتاج في كل القطاعات الاقتصادية.
- رأس المال المادي، ويشمل جميع المدخلات المادية المستعملة في الإنتاج، وهو لا يقتصر على الماكينات والآلات الموجودة في المصانع فقط، بل يضم أيضاً المباني والبنى التحتية من طرق وموانئ، وغيرها. وهي عناصر موجودة نتيجة لعمليات استثمار في السابق.
- رأس المال البشري، وهو مجموع الخبرات والمهارات والمعارف التي يتمتع بها العمال، والتي تتحقق نتيجة الاستثمار في التعليم والتدريب، ويتم اكتسابها خلال ممارسة عملية الإنتاج نفسها (Learning by doing). ويشترك رأس المال البشري مع رأس المال المادي في أنهما يتحققان نتيجة لعمليات الإستثمار، وكلاهما يتم استهلاكهما مع مرور الزمن. إلا أنهما يختلفان عن بعضهما في أن رأس المال البشري يستعمل فقط من جراء اشتراك صاحبه في الإنتاج، بينما يتم استخدام رأس المال المادي دون اشتراك من يملكه بالضرورة في عملية الإنتاج.
الإنتاجية
أما بالنسبة لإنتاجية عوامل الإنتاج، والتي عادة ما تسمى بالإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج (Total Factor Productivity)، فإنها تعرف على كونها الزيادة الحاصلة في الإنتاج بسبب تحسن قدرة تلك العوامل على الإنتاج، وليس بسبب الزيادة الكمية لعوامل الإنتاج المستخدمة. وعادة ما يتم التمييز بين مكونين اثنين للإنتاجية:
- التقدم التقني الذي يتحقق نتيجة للاستثمار في الدراسات العلمية وفي عمليات البحث والتطوير (R&D)، وفي نشر المعارف العلمية.
- الفعالية (Efficiency) التي تشير إلى مدى كفاءة استخدام عوامل الإنتاج والتقدم التقني في عملية الإنتاج. ويخص هذا المكون بشكل عام الوضع المؤسساتي وما يتضمنه من شؤون الإدارة والتنظيم في كل المؤسسات التي لها علاقة بعمليات الإنتاج سواء على مستوى المنشأة، أو الصناعة، أو القطاع، أو الاقتصاد ككل.
من الواضح أن صياغة السياسات الخاصة بتشجيع وتحفيز النمو الاقتصادي تعتمد إلى حد بعيد على معرفة الأهمية النسبية لكل عامل من هذه العوامل في تحقيق النمو. هل يجب الاهتمام بزيادة عوامل الإنتاج أكثر من الاهتمام بزيادة الإنتاجية، أم أن العكس هو الصحيح؟ وبالنسبة لعوامل الإنتاج، أيهما هو الأهم، تراكم الرأسمال المادي أم الرأسمال البشري؟ ثم بالنسبة للإنتاجية، هل الأولوية هي العمل على تسريع التقدم التقني، أم العمل على الإصلاح المؤسسي لضمان زيادة الفعالية؟
نمو الإنتاجية هو العامل الحاسم للنمو الإقتصادي على المدى الطويل
هنالك فرق هام بين الزيادة في عوامل الإنتاج والزيادة في الإنتاجية. إذ لا يوجد أي قيد، على الأمد الطويل، في استمرار تزايد الإنتاجية، إلا أن هناك قيوداً على الزيادة الكمية لعوامل الإنتاج. بالنسبة للأرض مثلاً، تتوقف إمكانية التزايد في مساحة الارض المستعملة في الإنتاج، وذلك بعد إصلاح جميع الأراضي غير المستعملة. وكذلك الحال بالنسبة لعدد العمال، إذ لا يمكن زيادة عدد العمال، بعد أن يصل الاقتصاد إلى مستوى التشغيل الكامل. أما بالنسبة لرأس المال المادي والبشري، فالتراكم في كليهما محكوم بقانون تناقص الغلة (Diminishing returns to scale). ونتيجة لهذا الفارق بين تأثير عوامل الإنتاج وتأثير الإنتاجية على النمو في الأمد الطويل، فإن معدل نمو حصة الفرد من الدخل القومي في الأمد الطويل (وفق نموذج النمو الاقتصادي الكلاسيكي المحدث Neoclassical Growth Model) يعتمد على معدل نمو الإنتاجية. وهذا يعني أن التراكم الرأسمالي يرفع من معدل النمو في الأمد القصير، ولكنه لا يؤدي إلى ذلك في الأمد الطويل.
وخلال ربع القرن الماضي، ظهر في الأدبيات الاقتصادية نموذج نمو جديد هو نموذج النمو "الداخلي" (Endogenous Growth Model). ويختلف هذا النموذج عن النموذج السابق في كونه يتعامل مع قانون تناقص الغلّة بشكل مختلف. فبالرغم من أن نموذج النمو الداخلي احتفظ بقانون تناقص الغلّة بالنسبة للمنشأة الاقتصادية (رأس المال المادي) وبالنسبة للعامل (رأس المال البشري)، إلا أنه يرى أن للتراكم الحاصل في كليهما تأثيرات خارجية إيجابية (Positive externality) تحد من عمل قانون تناقص الغلة على المستوى الكلي. ولذلك، يلعب التراكم الرأسمالي (المادي والبشري) دوراً في التأثير على معدل النمو، بينما تلعب إنتاجية عوامل الإنتاج (TFP) الدور الهام في تحديد سرعة وصول معدل النمو إلى وضعه المتوازن.
نماذج لتقدير مصادر النمو
يتطلب رسم السياسات الملائمة لتحفيز النمو على المستوى التطبيقي تقدير النسب التالية:
- نسبة المساهمة النسبية في النمو لكل عامل من عوامل الإنتاج على حدة.
- نسبة المساهمة الكلية لعوامل الإنتاج في النمو، مقارنة مع نسبة مساهمة الإنتاجية في النمو.
- نسبة مساهمة التقدم التقني في زيادة الإنتاجية، مقارنة مع نسبة مساهمة تحسّن الفعالية في زيادة الإنتاجية.
طور علماء الإقتصاد طريقتين لقياس هذه النسب. تهتم الطريقة الأولى بدراسة مصادر النمو في بلد واحد خلال فترة زمنية محددة، وتدعى هذه طريقة حسابات النمو (Growth accounting method). وتستخدم هذه الطريقة بيانات السلاسل الزمنية (Time- series data). وتهتم الطريقة الثانية في تفسير وتعليل الفروق الموجودة في نصيب الفرد من الدخل القومي (أي مستوى الدخل وليس معدل نموه) بين البلدان المختلفة، وكم من هذه الفروق يعود إلى الفروق الموجودة بين هذه البلدان في توفر عوامل الإنتاج، وكم منها يعود إلى الفروق بين هذه البلدان في إنتاجية عوامل الإنتاج. وتستخدم هذه الطريقة بيانات مقطعية (Cross -section data)، وتسمى هذه الطريقة في الأدبيات الاقتصادية باسم طريقة حسابات التنمية (Development accounting method).
وفيما يلي تلخيص لأبرز النتائج التي رشحت من دراسات حسابات النمو وحسابات التنمية، مع التركيز على النتائج بالنسبة للدول العربية.
- لم تهتم الدراسات القديمة (ما قبل التسعينات) برأس المال البشري، ولم تركز سوى على رأس المال المادي وقوة العمل، وقد وجدت تلك الدراسات أن دور الإنتاجية وزيادتها مهم جداً في تفسير النمو، وهو أكثر أهمية بكثير من دور رأس المال المادي أو العمل، واستمر هذا حتى العام 1973 تقريباً، ثم حصل ما عرف بتراجع الإنتاجية (Productivity slowdown) الذي استمر طوال الثمانينات والتسعينات كما يتضح من الجدول 1.
البلد |
معدل النمو |
نسبة مساهمة رأس المال المادي في النمو |
نسبة مساهمة العمال في النمو |
نسبة مساهمة الإنتاجية في النمو |
||||
الفترة |
1947-1973 |
1960-1995 |
1947-1973 |
1960-1995 |
1947-1973 |
1960-1995 |
1947-1973 |
1960-1995 |
الولايات المتحدة |
4 |
3 |
43 |
37 |
24 |
40 |
34 |
24 |
بريطانيا |
4 |
2 |
47 |
56 |
1 |
8 |
52 |
36 |
فرنسا |
5 |
4 |
42 |
53 |
4 |
10 |
55 |
38 |
ألمانيا |
7 |
3 |
41 |
56 |
3 |
4 |
56 |
42 |
اليابان |
10 |
6 |
35 |
31 |
23 |
22 |
42 |
47 |
المصدر: Barro,R and Sala-I- Martin,X “Economic Growth” Ney York: McGraw-Hill (1995)
اهتمت الدراسات اللاحقة بمساهمة رأس المال البشري في عملية النمو، مع الاعتراف بعدم وجود مقياس واحد صالح لقياس رأس المال البشري ألا أن معظم الدراسات أظهرت أن مساهمة رأس المال البشري لا تقل أهمية عن مساهمة رأس المال المادي. وقد ظهرت أهمية رأس المال البشري في الدراسات التي استخدمت طريقة حسابات التنمية التي تهدف إلى تحديد العوامل المسؤولة عن الفروق في مستوى الدخل الفردي بين البلدان المختلفة. فعلى سبيل المثال، عمدت إحدى الدراسات إلى محاولة تحديد العوامل المسؤولة عن الفرق في متوسط دخل الفرد بين الولايات المتحدة والهند في منتصف الثمانينات. وعند اعتماد الفرق بين رأس المال المادي والإنتاجية بين البلدين، تم تفسير 9% فقط من الفرق بين متوسط دخل الفرد بين البلدين. ولكن عندما تم اعتماد رأس المال البشري إلى جانب رأس المال المادي والإنتاجية، تم تفسير 84% من الفرق. وأظهرت دراسة أخرى في العام 2007 أن مساهمة رأس المال البشري في نمو متوسط دخل الفرد في كل من مصر والأردن وسوريا كان من أهم مصادر النمو في فترة عقدي الثمانينيات والتسعينيات (أنظر الجدول 2).
البلد |
معدل نمو إنتاجية العامل |
نسبة مساهمة رأس المال المادي |
نسبة مساهمة رأس المال البشري |
نسبة مساهمة مجموع عوامل الإنتاج |
مصر |
1.83 |
56.60 |
70.10 |
(26.70) |
سوريا |
1.18 |
53.90 |
46.60 |
(0.51) |
الأردن |
(0.64) |
(45.30) |
123.40 |
- تم حديثاً ابتكار طريقة جديدة يتم بواسطتها معرفة مقدار مساهمة "التقدم التكنولوجي" ومقدار مساهمة "الفعالية" في زيادة الإنتاجية. وقد تم استخدام هذا الأسلوب في دراسات "حسابات التنمية"، وذلك لمعرفة سبب الفروق الكبيرة في الإنتاجية الموجودة بين بلدان العالم المختلفة، وتحديد ما إذا كان الفرق يعود بالدرجة الأولى على الاختلاف في "التقدم التقني" أم على الاختلاف في "الفعالية" (أي الاختلاف في كفاءة المؤسسات). وتشير أكثر الدراسات حول الموضوع إلى أن" الفعالية" هي الأهم في تفسير الفروق الموجودة في الإنتاجية، خصوصاً بين البلدان الصناعية الغنية والبلدان النامية. ويجب أنّ لا يؤخذ ذلك بمعنى أن التقدم التقني ليس مهماً في موضوع الإنتاجية، بل على أن التقدم التقني في وقت محدد يصبح متاحا للجميع بشكل أو بآخر خصوصاً التقنيات الحديثة في حقول المعرفة(الحاسوب) والاتصالات. لكن استخدام تلك التقنيات بفعالية يعتمد بالدرجة الأولى على كفاءة المؤسسات وقدرتها على تنظيم عمليات الإنتاج. ويبين جدول (3) نتيجة دراسة أجرتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأوسكوا)، والتي أوضحت الدور الكبير الذي يلعبه "التقدم التقني" في زيادة الإنتاجية مقارنة بدور "الفعالية" في بعض البلدان.
- يمكن تلخيص كل ما سبق بالقول أنّ النمو يحتاج إلى تراكم الرأسمال المادي وإلى التقدم التقني، ولكن الاستعمال الكفء والفعال لهما يحتاج إلى رأسمال بشري وإلى المؤسسات الفعالة.
البلد |
معدل نمو الإنتاجية السنوي |
نسبة مساهمة التقدم التقني |
نسبة مساهمة الفعالية |
مصر |
1.97 |
100.0 |
0.0 |
عمان |
2.68 |
18.0 |
82.0 |
السعودية |
(0.25) |
95.0 |
5.0 |
سوريا |
2.78 |
51.0 |
49.0 |
تونس |
2.0 |
54.0 |
45.0 |
ماليزيا |
1.04 |
82.0 |
18.0 |
بريطانيا |
(0.18) |
63.0 |
37.0 |
الولايات المتحدة |
0.64 |
100.0 |
0.0 |
المصدر: اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "تحليل الأداء الاقتصادي وتقييم النمو والإنتاجية في منطقة الأوسكوا" العدد الرابع 2005. الأرقام داخل قوسين أرقام سالبة.
مصادر النمو في الإقتصاد الفلسطيني
أما بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن وجود الاحتلال والمقاومة يفرضان أوضاعاً اقتصادية غير طبيعية. ولذلك فإنه من الصعب منح ثقة كبيرة لنتائج حسابات النمو التي أجرتها بعض الدراسات خلال العقود الثلاثة الماضية. ومع ذلك، فهناك ثلاث دراسات من المفيد أخذ نتائجها بعين الاعتبار: الدراسة الأولى صدرت عن البنك الدولي عام 2002 وغطت فترة 1980-2000. أوضحت الدراسة أن معدل نمو حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي بلغ 2.18%، وقدرت نسبة مساهمة رأس المال المادي ما بين 80% و86% من ذلك النمو، وبالتالي قدرت مساهمة إنتاجية عوامل الإنتاج ما بين 20% و14%. وصدرت الدراسة الثانية عن معهد ماس في عام 2006، وغطت الفترة ما بين 1981-2005. أوضحت تلك الدراسة أن معدل إنتاجية عوامل الإنتاج تراجعت في تلك الفترة بحوالي 5.46% في السنة. وصدرت الدراسة الثالثة عن صندوق النقد الدولي وغطت الفترة ما بين 1973 و1994، وخلصت إلى أن معدل نمو إنتاجية عوامل الإنتاج في الاقتصاد الفلسطيني السنوية لتلك الفترة بلغت 1.6%، وهذه النسبة عالية وهي تحلّ في المرتبة الثانية بعد النسبة الخاصة ببلدان شرق آسيا (2%) الأعلى في العالم.
(نشرت في المراقب الإقتصادي، العدد 17، 2009)