النمو الاقتصادي- حقائق النمو

النمو الاقتصادي- حقائق النمو

Economic Growth

يعرف النمو الاقتصادي في بلد ما على أنه الزيادة في الدخل القومي التي تتحقق خلال سنة. ومن المتعارف عليه، أن مقياس النمو هو النسبة المئوية لزيادة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الحقيقية بين سنة وأخرى.  ويأخذ موضوع النمو الاقتصادي أهميته من كونه أهم المؤشرات التي تقيس درجة النشاط الاقتصادي العام من جهة، بالإضافة إلى كونه مؤشراً هاماً على تطور مستوى المعيشة من جهة أخرى. ويترافق النمو الإقتصادي مع ثلاثة حقائق تاريخية سنتناولها على التوالي:

 

النمو الاقتصادي ظاهرة حديثة نسبياً في التاريخ الإنساني

النمو ظاهرة تخص القرنين الماضيين فقط. وهناك دراسات علمية تشير إلى أن تزايد عدد سكان العالم لم يبدأ إلا في العام 1500، وأن تحسن مستوى المعيشة لم يبدأ إلا مطلع القرن التاسع عشر. ويظهر من الجدول رقم 1، أنه وخلال ألف سنة لم يكن هناك أي نمو في عدد السكان أو في الإنتاج، إذ أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1000 كان مساوياً للذي كان عليه في العام الأول للميلاد. ولقد بدأ عدد السكان في النمو منذ العام 1500، ولكن متوسط دخل الفرد لم يبدأ بالتزايد إلا مع مطلع القرن التاسع عشر. ولهذا، يمكن أن نخلص إلى أن التاريخ الإنساني قبل القرن التاسع عشر شهد نمواً لعدد السكان بشكل بطيء (من الصفر إلى أقل من نصف الواحد بالمئة)، بينما لم يشهد متوسط دخل الفرد أي نمو. أما في القرنين الماضيين، فلقد تزايد عدد سكان العالم خمسة أضعاف، في حين ازداد متوسط دخل الفرد ثمانية أضعاف، وهو ما يعني أن النمو الاقتصادي هو في الواقع نتيجة للثورة الصناعية.

 

عدد السكان والدخل في العالم خلال الألفين سنة الماضية

        السنة        

عدد سكان العالم (مليون)

الناتج المحلي الإجمالي للعالم مليار دولار بأسعار 1990

متوسط دخل الفرد في العالم دولار بأسعار 1990

0

250

106

425

1000

273

115

420

1500

425

240

565

1820

1,068

695

651

1870

1,260

1,128

895

1913

1,772

2,726

1,539

1950

2,512

5,372

2,138

1973

3,897

16,064

4,123

1995

5,672

29,423

5,188

 

 

النمو ظاهرة غير متماثلة بين بلدان العالم
هناك بلدان حافظت على معدلات نمو جيدة في القرنين الماضيين، مما أتاح لها التمتع بمستوى دخل عال، وأصبحت تعرف بالبلدان المتقدمة الغنية، ومع أن عدد سكان هذه البلدان لا يزيد عن 20% من سكان العالم، إلا أنهم يحصلون على 62% من مجموع دخل العالم. وفي المقابل، هناك بلدان لم تتمكن من التقدم، ولم تحقق إلا معدلات نمو ضئيلة (وأحياناً معدلات سالبة)، وهذا ما أدى إلى أنّ لا تزيد مستويات معيشة فيها عن حد الكفاف. ووفق تقديرات البنك الدولي، بلغ عدد سكان العالم الذين يعيشون بأقل من دولار في اليوم الواحد في نهاية القرن العشرين 1.2 مليار إنسان، وأن ما بين 2.5 مليار و3 مليار إنسان يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الواحد.

ومن ناحية أخرى، فإن النمو أيضا مسار غير مستمر بالضرورة. هنالك بلداناً كانت تنمو بمعدلات عالية ومن ثم تراجعت، في حين أن بلداناً أخرى كانت في أوضاع انحدار (معدل نمو سالب)، ومن ثم أخذت تنمو بمعدلات عالية جداً. ومن أبرز الأمثلة على تلك البلدان، الأرجنتين وكوريا الجنوبية. ففي مطلع القرن التاسع عشر، كانت الأرجنتين من أغنى بلدان العالم، وظلت تتمتع بدخل عال طوال ذلك القرن حيث كان متوسط دخل الفرد ينمو فيها بمعدل 2.5% سنوياً، وفي نهاية القرن كان متوسط دخل الفرد فيها أكثر من ضعف متوسط دخل الفرد في العالم، لكن الأرجنتين لم تحافظ على ذلك النمو في القرن العشرين، حيث تراجع معدل النمو فيها إلى 0.7% في الفترة 1913-1950، ثم عاد وارتفع إلى 2.1% في الفترة 1950-1973، ومن ثم تقهقر وأصبح سالباً في الفترة 1973-1992 (-0.2%)، وهو ما جعل متوسط دخل الفرد الأرجنتيني عام 1992 أقل مما كان عليه عام 1973. وفي المقابل، فإن كوريا الجنوبية كانت وحتى منتصف القرن العشرين، بلداً فقيراً يساوي متوسط دخل الفرد فيه أقل من نصف متوسط دخل الفرد في العالم (43%)، ولا يبلغ سوى 20% من متوسط دخل الفرد الأرجنتيني، فقد كان الاقتصاد الكوري على امتداد سنوات النصف الأول من القرن العشرين في حالة تراجع وانحدار (تراجع بمعدل 0.2% في السنة) إلى أن انقلبت الأوضاع في النصف الثاني من القرن، إذ بدأ النمو قي الدخل الكوري يسجل معدلات عالية جداً بلغت 5.2% في الفترة (1950-1973) و6.9% في الفترة (1973-1992). وتتابع هذا النمو طوال التسعينات ومطلع القرن الواحد والعشرين، مما جعل متوسط دخل الفرد الكوري الجنوبي في عام 2007 أكبر من متوسط دخل الفرد في العالم بضعفين ونصف، وأكبر من متوسط دخل الفرد الأرجنتيني بثلاثة أضعاف. وهو ما يعني أنه خلال ما يقرب من الستة عقود، ارتفع متوسط دخل الفرد الكوري من 20% من دخل الفرد الأرجنتيني، إلى أكثر من ثلاثة أضعافه.
أما في العالم العربي، فلقد شهدت العقود الأربعة الماضية وجود علاقة طردية مباشرة بين معدل النمو الاقتصادي والسعر العالمي للنفط. فمع الارتفاع الكبير في سعر النفط في السبعينات، سجل متوسط معدل نمو دخل الفرد العربي طوال السبعينات ارتفاعاً كبيراً وصل إلى أكثر من 4% في السنة، وحوالي 3.5% في السنة في فترة الثمانينات. أما في التسعينات، فقد انخفضت متوسط معدل النمو إلى أقل من نصف بالمئة عاكساً الانخفاض الكبير في سعر النفط. ومع ارتفاع سعر النفط في السنوات الماضية، عاد متوسط معدل نمو دخل الفرد إلى الارتفاع، حتى أنه زاد عن 5% في السنوات 2003-2008. 

النمو الإقتصادي ذو طبيعة أسّية وينعكس على مستوى المعيشة في الأمد الطويل
الفرق الضئيل في معدل النمو ليس له أي تأثير على مستوى المعيشة في الأمد القصير، بينما يصبح له، بقوة التراكم المركب، تأثير كبير على ذلك المستوى في الأمد الطويل. فلو أخذنا مستوى المعيشة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على سبيل المثال، فإننا نرى أن متوسط دخل الفرد البريطاني كان 33% أعلى من متوسط دخل الفرد الأمريكي عام 1870. وبعد 130 عاماً، أي في العام 2000، انقلبت الآية، وأصبح متوسط دخل الفرد الأمريكي 33% أعلى من متوسط دخل الفرد البريطاني. لقد كان ذلك نتيجة لمتوسط معدل نمو الدخل القومي للولايات المتحدة في تلك المدة والذي بلغ 1.9% في السنة، بينما كان متوسط معدل النمو البريطاني 1.4%. وهكذا نلحظ حقيقة أن فرقاً صغيراً في معدل النمو يقود إلى فرق كبير في مستوى المعيشة على الأمد الطويل. 
وعند النظر إلى تجربة عقد التسعينات، يمكن رؤية الفرق الكبير بين النمو الهائل الذي حققته الصين، وبين النمو الضئيل الذي تحقق في البلدان العربية؛ إذ نما الدخل القومي الصيني بمعدل يفوق 10% سنوياً، وهو ما يعني أن الصين ضاعفت قيمة دخلها القومي قبل نهاية العقد، بينما كان متوسط نمو الدخل القومي في البلدان العربية أقل من 1% سنوياً، وهو ما يعني أن البلدان العربية بحاجة إلى أكثر من سبعين سنة حتى تتمكن من مضاعفة دخلها القومي إذا استمرت تنمو وفق معدل نموها في التسعينات.
وعادة ما يتم حساب عدد السنوات الضرورية حتى يتضاعف الدخل القومي بواسطة ما يسمى في أدبيات النمو الاقتصادي بقانون السبعين. ويحدد هذا القانون عدد السنوات اللازمة حتى يؤدي معدل النمو الى مضاعفة الكمية الاصلية. ويتحدد عدد السنوات هذا بتقسيم العدد 70 على معدل النمو الأسي. فإذا كان الاقتصاد ينمو بمعدل 5% سنوياً فهذا يعني أن الدخل القومي سيتضاعف بعد 14 سنة (أي 70 تقسيم 5). 
(نشرت في المراقب الإقتصادي، العدد 16، 2009)